أعلنت تركيا عن افتتاح قنصلية جديدة لها في مدينة بنغازي، خطوة تعد بمثابة مؤشر على حرص أنقرة على تعزيز حضورها الدبلوماسي والاقتصادي في شرق ليبيا. جاء هذا الإعلان على لسان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الذي أكد استمرار التواصل مع مختلف الأطراف الليبية.
صرح فيدان أن “بيئة انعدام الصراع” التي ساهمت تركيا في تحقيقها باتت تثمر نتائج إيجابية على الصعيد الليبي. يبرز هنا تحول مهم في الخطاب التركي تجاه ليبيا، حيث انتقلت أنقرة من التركيز على الدعم العسكري إلى الترويج لاستراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز الاستقرار طويل الأمد. هذه البيئة، التي وصفها فيدان بأنها خالية من الصراعات، لا تمثل فقط هدفًا سياسيًا بل أساسًا لبناء ثقة الأطراف الليبية في إمكانية تحقيق سلام مستدام.
إلى جانب التحركات الدبلوماسية، أكد وزير الخارجية أن رجال الأعمال الأتراك بدأوا بالتفاعل مع الأطراف الليبية ذات الصلة، خصوصًا في المنطقة الشرقية. هذا الانخراط الاقتصادي يعكس رؤية تركيا لدورها في ليبيا ليس فقط كوسيط سياسي بل أيضًا كشريك اقتصادي يسعى لتعزيز التنمية في البلاد. وجود رجال الأعمال الأتراك في بنغازي يشير إلى محاولات أنقرة توسيع نطاق تأثيرها من خلال مشاريع تنموية تسهم في بناء بنية تحتية اقتصادية قوية.
تأتي تصريحات فيدان لتؤكد أن تركيا تضع الوحدة الوطنية الليبية في صلب استراتيجيتها. “أنقرة تولي أهمية كبيرة لخلق بيئة تضمن الوحدة الوطنية والتضامن في ليبيا”، قال فيدان، مشددًا على ضرورة أخذ الحقائق على الأرض بعين الاعتبار. يبدو أن تركيا تعتمد مقاربة تراعي التعقيدات السياسية والاجتماعية في البلاد، وتسعى لتحقيق التوازن بين الفصائل المختلفة دون الانحياز لطرف على حساب الآخر.
تفتح هذه التحركات التركية المجال أمام تساؤلات حول مستقبل العلاقات الليبية-التركية. من جهة، يمكن أن تسهم القنصلية في تعزيز التعاون الاقتصادي والدبلوماسي. ومن جهة أخرى، تواجه تركيا تحديات تتمثل في كسب ثقة جميع الأطراف الليبية، خاصة في ظل تداخل الأجندات الإقليمية والدولية في المشهد الليبي.
في المحصلة، يبدو أن تركيا تسعى لترسيخ دورها كفاعل رئيسي في ليبيا من خلال استراتيجية متكاملة تستند إلى الدبلوماسية، الاقتصاد، والتفاعل الإيجابي مع الواقع الليبي. ومع استمرار التواصل مع الأطراف كافة، يبقى نجاح هذا الدور مرهونًا بقدرة أنقرة على تحقيق توازن دقيق بين المصالح المتضاربة، بما يضمن استقرار ليبيا على المدى البعيد.