لطالما شكّل بند الطوارئ في الميزانية ملاذًا تستخدمه الحكومات لتغطية احتياجات عاجلة تخدم الصالح العام. لكن في ليبيا، يبدو أن هذا البند قد تحول إلى بوابة مفتوحة للإسراف، حيث أظهرت تقارير ديوان المحاسبة لعام 2023 أن حكومة الدبيبة المنتهية الولاية استنزفت ملايين الدنانير في صرف عشوائي وغير مبرر، بينما يقبع المواطن الليبي تحت وطأة الفقر والجوع.
صرف طارئ… ولكن لمن؟
وفقًا للتقرير، تم صرف 90 ألف دينار من بند الطوارئ كضمان إيجار مبنى لشهرين فقط. في بلد يعيش أطفاله على المعونات، وتفتقر مستشفياته لأبسط الإمدادات الطبية، يصبح هذا الرقم صفعة على وجه العدالة والإنسانية. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف أصبح بند الطوارئ أداة لتغطية نفقات ترفيهية بدلًا من استحقاقات حقيقية؟
زيادات غامضة في المرتبات
التقرير كشف عن صرف مرتبات تفوق المخصصات المحالة رسميًا من قسم المرتبات بإدارة الميزانية، حيث تجاوزت الزيادة 62 ألف دينار لشهر يونيو فقط. هذه الأرقام ليست مجرد أموال مهدرة، بل دليل على نظام مالي مهترئ، تملؤه ثغرات يستغلها المستفيدون على حساب الطبقات الكادحة التي تعاني من عدم استلام مرتباتها بانتظام.
نقص في الأجور وزيادة في الظلم
في المقابل، صُرفت مرتبات أقل من المطلوب لعدد كبير من الموظفين، بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 13 ألف دينار لنفس الشهر. المفارقة هنا أن الأموال تُهدر في جهة، وتُقتطع في أخرى، في مشهد يوضح عمق الفوضى في إدارة المالية العامة.
الأسماء الوهمية.. كارثة مستمرة
التقرير لم يغفل الإشارة إلى فضيحة أخرى تتعلق بصرف مرتبات لأسماء غير مدرجة في السجلات الرسمية. كيف لأسماء مجهولة أن تتلقى أموالًا من المال العام، بينما الموظفون الحقيقيون يعانون للحصول على حقوقهم؟
الشعب بين المطرقة والسندان
بين هذه الأرقام المذهلة، يقف المواطن الليبي في طوابير الخبز أو ينتظر ساعات طويلة أمام المصارف للحصول على القليل من النقود. بينما تزداد أعباء الحياة، ويغرق المواطن في فواتير الماء والكهرباء، تُصرف الملايين على بنود مشبوهة وشركات وهمية، دون أي اعتبارات لاحتياجات الشعب.
فساد منهجي أم غياب للمحاسبة؟
الأرقام الواردة في تقرير ديوان المحاسبة ليست مجرد دليل على الفساد المالي، بل مؤشر على انهيار آلية المحاسبة في ليبيا. غياب الشفافية في إدارة الأموال العامة يعني أن مؤسسات الدولة باتت تعمل خارج نطاق القانون، ما يُغذي ثقافة الإفلات من العقاب.
أثر الفساد على المواطن
حين تُنفق الأموال العامة بشكل عشوائي أو تُبدد في أوجه غير ضرورية، فإن التأثير ينعكس مباشرة على المواطن. مدارس تفتقر للتجهيزات، مستشفيات بلا أدوية، وأحياء بلا بنية تحتية، كلها شواهد على أن الفساد ليس مجرد أرقام في التقارير، بل واقع يلمسه كل ليبي يوميًا.
الحاجة إلى إصلاح جذري
إن استمرار هذا النهج في إدارة المالية العامة يهدد مستقبل ليبيا، ليس فقط اقتصاديًا، بل اجتماعيًا وسياسيًا. الحل يكمن في إنشاء نظام رقابي شفاف ومستقل، قادر على محاسبة المسؤولين، وإعادة توجيه الأموال العامة إلى مشاريع تخدم المواطن، لا تُثقل كاهله.
خاتمة.. صوت الشعب المقهور
في كل دينار يُهدر من المال العام، تُضاف معاناة جديدة إلى كاهل المواطن الليبي. هذه الأرقام الصادمة في تقرير ديوان المحاسبة ليست مجرد فضائح مالية، بل دعوة للتحرك العاجل لإنقاذ ما تبقى من ثروات ليبيا، قبل أن يلتهمها الفساد بالكامل.