وسط مشهد ليبي مضطرب، حيث تتشابك الأزمات الاقتصادية والسياسية، يطفو على السطح تقرير ديوان المحاسبة لعام 2023، حاملاً معه أرقامًا تكشف عمق الأزمة المالية والاقتصادية. التقرير الذي صدر في أواخر الأسبوع الماضي أشعل جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، ما بين انتقادات لاذعة وتوصيات بإصلاحات عاجلة.
الانقسام السياسي: عائق أمام الاقتصاد
في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” أشار عضو مجلس النواب، حسن الزرقاء، إلى أن التدهور الاقتصادي الحالي في ليبيا لا يمكن فصله عن الأزمة السياسية والانقسام الحكومي. يرى الزرقاء أن غياب حكومة موحدة قادرة على إدارة الملفات الوطنية، بما في ذلك ملف النفط، يشكل أحد أكبر التحديات أمام تحقيق الاستقرار. وأوضح الزرقاء أن “تحديد موعد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية” يمثل الخطوة الأولى نحو معالجة الأزمة، مضيفًا أن استمرار الانقسام لا يزيد سوى من تعقيد الأوضاع الاقتصادية.
أرقام صادمة: الإيرادات تنخفض والإنفاق يرتفع
كشف تقرير ديوان المحاسبة عن انخفاض في الإيرادات النفطية والسيادية بمقدار 9.3 مليار دينار مقارنة بعام 2022، وهو ما اعتبره المراقبون دليلًا إضافيًا على سوء الإدارة المالية وعدم استقرار الموارد الوطنية. هذا الانخفاض أتى في وقت يشهد فيه العالم ارتفاعًا في أسعار النفط، ما يجعل هذا التراجع غير مبرر من وجهة نظر الاقتصاديين.
من ناحية أخرى، أشار التقرير إلى ارتفاع غير مسبوق في الإنفاق العام، بما في ذلك المصروفات المتعلقة برواتب موظفي السفارات الليبية ورحلات الطيران الخاص. هذه الأرقام أثارت استياء وسائل الإعلام المحلية ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين وصفوا هذه النفقات بأنها “عبء إضافي على كاهل الدولة المأزومة”.
التجاوزات المالية: أزمة ثقة في المؤسسات
لم تتوقف الانتقادات عند حدود الأرقام، بل امتدت إلى وصف الحالة العامة للإدارة المالية في البلاد بأنها تعاني من غياب الشفافية. التجاوزات التي أوردها تقرير ديوان المحاسبة شملت إنفاقًا مبالغًا فيه على رحلات الطيران الخاص، بالإضافة إلى تضخم رواتب موظفي السفارات بشكل يفوق الاحتياجات الفعلية.
أحد السياسيين البارزين الذين علقوا على هذه المعطيات كان علي التكبالي، الذي أشار إلى أن “هذه التجاوزات تعكس غياب الرقابة الداخلية والإرادة الحقيقية للإصلاح”. وأضاف أن الأوضاع الاقتصادية الحالية تتطلب تدخلًا عاجلًا لمعالجة الفساد وتقليص الإنفاق غير الضروري.
وسائل الإعلام: صوت الشعب الغاضب
على الجانب الإعلامي، ركزت الصحف والمواقع الليبية على الكشف عن هذه الأرقام، واعتبرتها “فضيحة سياسية واقتصادية” تستوجب محاسبة المسؤولين عنها. كما امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بمنشورات غاضبة من المواطنين، الذين تساءلوا عن جدوى وجود سفارات “باهظة التكاليف” في ظل أزمة اقتصادية طاحنة.
النفط: شريان الاقتصاد المهدد
النفط، الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد الليبي، لم يسلم من تأثيرات الأزمة السياسية والانقسام الحكومي. يرى خبراء الاقتصاد أن تراجع الإيرادات النفطية ليس فقط نتيجة لسوء الإدارة، بل هو أيضًا نتاج مباشر لحالة عدم الاستقرار السياسي، التي تحول دون استغلال الموارد الطبيعية بشكل فعال.
التحديات المستقبلية: هل من حلول؟
في ظل هذا الوضع، تتزايد الدعوات لاتخاذ إجراءات عاجلة. يطالب المراقبون بضرورة توحيد المؤسسات المالية، بما في ذلك مصرف ليبيا المركزي، وإنشاء آلية رقابة صارمة على الإنفاق العام. كما شددوا على أهمية إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن لضمان وجود حكومة شرعية قادرة على إدارة موارد الدولة بكفاءة.
خاتمة
تقرير ديوان المحاسبة الأخير لم يكن مجرد وثيقة أرقام، بل هو صرخة تحذير من مستقبل أكثر ظلامًا إذا لم تتحرك الأطراف السياسية والاقتصادية لتصحيح المسار. فالأزمة الليبية لم تعد مسألة موارد فحسب، بل هي أزمة إدارة وحوكمة تحتاج إلى حلول جذرية.