وسط تعقيدات المشهد السياسي ، تتواصل الأزمات التي باتت تمثل تهديدًا مباشرًا لحياة المواطنين واستقرار الدولة. يعكس الجمود السياسي الواقع المعقد الذي تسببت فيه الانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية، في ظل غياب توافق حقيقي بين الأطراف الليبية.
في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” ، سلط المحلل السياسي محمد امطيريد الضوء على واقع هذه الأزمات، مشيرًا إلى أن ليبيا تجد نفسها عالقة في حلقة مفرغة من المبادرات المتناقضة والصراعات المستمرة. يرى امطيريد أن غياب حلول نهائية بين الأطراف المتنازعة أدى إلى حالة من الشلل السياسي، حيث فشلت المبادرات، سواء المحلية أو الدولية، في تقديم رؤية شاملة لإنهاء الأزمة.
يشير امطيريد إلى أن التباين بين مبادرات بوزنيقة المغربية وستيفاني خوري، المبعوثة الأممية، يعكس مدى تعقيد المشهد السياسي. “بدلاً من العمل على تحقيق التوافق، ساهمت هذه المبادرات في تعميق الفجوة بين الأطراف”، كما يقول.
ويوضح أن غياب التنسيق بين الأطراف الدولية المعنية بالشأن الليبي أدى إلى حالة من الإرباك، مما أعاد البلاد إلى نقطة البداية. وأضاف: “المبادرات الدولية غالبًا ما تتجاهل خصوصيات الحالة الليبية، ما يجعلها غير قادرة على تحقيق نتائج ملموسة”.
أحد السيناريوهات المطروحة للخروج من الأزمة يتمثل في تشكيل حكومة موحدة. ومع ذلك، يؤكد امطيريد أن نجاح هذا الخيار يعتمد على تحقيق توافق حقيقي بين الأطراف الليبية المتنازعة. وأوضح أن أي حكومة جديدة تفتقر إلى الدعم الدولي والمصادقة من المجتمع الدولي ستواجه مصير حكومة فتحي باشاغا، التي فشلت في تسلم السلطة.
على الصعيد الداخلي، تسهم الخلافات داخل المجلس الأعلى للدولة في تعقيد المشهد السياسي. يشير امطيريد إلى أن الانقسامات بين رئيس المجلس السابق خالد المشري والرئيس الحالي محمد تكالة تعكس أزمة عميقة في بنية المجلس. “هذه الخلافات تعرقل أي محاولات لتحقيق توافق سياسي حقيقي”، كما يقول.
يمثل التدخل الخارجي عنصرًا حاسمًا في الأزمة الليبية. وأشار امطيريد إلى أن غياب الدولة الليبية عن الاجتماعات الدولية الكبرى، مثل اجتماع لندن الأخير، يعكس حجم تأثير التدخلات الأجنبية في القرار السياسي الليبي.
ويرى أن هذه التدخلات تفرض تحديات إضافية على الأطراف الليبية، حيث تسعى الدول المتدخلة لتحقيق مصالحها على حساب استقرار ليبيا.
من وجهة نظر امطيريد، فإن التوافق العسكري يمثل الخطوة الأولى نحو تحقيق أي توافق سياسي. “من يملك السلاح يملك سلطة القرار”، كما يقول. وأكد على ضرورة دمج التشكيلات المسلحة ضمن مؤسسة الجيش الليبي، مشيرًا إلى أن أي اتفاق لا يشمل هذه التشكيلات لن يُكتب له النجاح.
على الجانب الاقتصادي، تلقي الأزمات السياسية بظلالها الثقيلة على حياة المواطنين. يعاني الليبيون من شح السيولة وتأخر صرف المرتبات، فضلًا عن عدم استقرار أسعار الدولار.
ودعا امطيريد الأطراف الليبية إلى إيجاد حلول عاجلة لهذه الأزمات، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تفاقم المعاناة.
بينما تستمر الفوضى في السيطرة على المشهد الليبي، يظل الحل العسكري خيارًا مطروحًا بقوة. يرى امطيريد أن السيطرة على طرابلس وإخراج المرتزقة يمثلان خطوات أساسية لاستعادة الاستقرار.
ومع ذلك، يقر بأن هذا المسار قد يستغرق وقتًا أطول، لكنه يبقى الأكثر واقعية في ظل الانقسامات الحالية. “إعادة بناء المؤسسة العسكرية الوطنية هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل أفضل لليبيا”، كما يقول امطيريد.