في خضم التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة العربية، يبرز التعاون الأمني بين مصر وليبيا كنموذج متقدم لشراكة إقليمية تسعى إلى مواجهة خطر الإرهاب الذي يعبر الحدود ويتحول إلى تهديد مشترك. اللقاءات والتنسيقات بين الطرفين ليست مجرد تعاون عابر، بل تجسد رؤية إستراتيجية تجمع بين الواقع الجيوسياسي والتحديات الأمنية في منطقة مليئة بالتوترات.
تُعتبر الحدود الشرقية لليبيا محورًا استراتيجيًا بالنسبة لمصر، حيث تربط الجغرافيا بين الأمن القومي المصري والوضع الميداني الليبي. زيارة رئيس المخابرات المصرية، اللواء حسن رشاد، إلى شرق ليبيا تحمل دلالات واضحة على أهمية هذه المنطقة كخط دفاع أول ضد تحركات العناصر الإرهابية. فالقرب الجغرافي يجعل هذه المناطق نقطة تركيز لأي محاولات تسلل قد تهدد الاستقرار الداخلي لمصر.
لا يمكن فصل التعاون الأمني المصري الليبي عن الصورة الإقليمية الأوسع. ففي سورية، يُعتبر مخيم الهول أحد أبرز الملفات المقلقة. المخيم يضم آلافًا من أفراد وأسر تنظيم “داعش”، والتهديد الذي يمثله لا يقتصر على المنطقة السورية فقط، بل يمتد ليشمل دول الجوار والقارة الإفريقية بأكملها. السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري السابق، يشير بوضوح إلى أن هذا الواقع يحتم على الدول العربية التعاون المكثف لاحتواء الأزمة قبل أن تتحول إلى كارثة أوسع.
أحد أبرز الإشكاليات التي تواجه المجتمع الدولي في هذا الملف هي رفض العديد من الدول استقبال مواطنيها المرتبطين بتنظيم “داعش”، وهو ما يؤدي إلى تصاعد المخاوف من انتقال هذه العناصر إلى مناطق أكثر هشاشة أمنيًا، مثل ليبيا ودول الساحل والصحراء. هذه الديناميكية تجعل التنسيق الأمني بين مصر وليبيا ضرورة لا غنى عنها.
التحديات الأمنية العابرة للحدود لا يمكن أن تواجهها دولة بمفردها، مهما كانت قدراتها العسكرية والأمنية. في هذا السياق، تمثل الشراكة بين مصر وليبيا نموذجًا يُحتذى به، حيث يجري العمل على مراقبة التحركات الإرهابية المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ووضع خطط وقائية تحول دون تمدد الإرهاب.
مع تصاعد التهديدات الإرهابية في إفريقيا، خاصة في مناطق الساحل والصحراء، تزداد الحاجة إلى بناء تحالفات إقليمية قوية. فالمنطقة أصبحت مرتعًا خصبًا للتنظيمات الإرهابية التي تستغل الهشاشة الأمنية والاقتصادية لتحقيق أهدافها. مصر وليبيا، بفضل موقعهما الجغرافي وأهميتهما الإستراتيجية، تمتلكان مفاتيح أساسية لدعم الاستقرار في إفريقيا ومواجهة هذا التهديد المتنامي.
المواجهة مع الإرهاب لا تقتصر على العمليات الأمنية والعسكرية، بل تتطلب أيضًا جهودًا مكثفة لمعالجة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل بيئة حاضنة للتطرف. هنا يظهر الدور المصري في دعم التنمية في ليبيا كأحد المحاور الهامة لتحقيق استقرار مستدام.
التعاون بين مصر وليبيا ليس مجرد شراكة مرحلية، بل هو نموذج يُظهر كيف يمكن للدول العربية أن تتكاتف لمواجهة التحديات الإقليمية الكبرى. من مراقبة الحدود إلى مكافحة الإرهاب والتصدي للأزمات الإقليمية مثل مخيم الهول، تعمل القاهرة وطرابلس يدًا بيد لرسم ملامح مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا.
في ظل هذه الجهود، تبقى رسالة واحدة واضحة: الأمن العربي كلٌ لا يتجزأ، والتحديات التي تواجه دولة واحدة هي مسؤولية الجميع. التعاون المصري الليبي هو حجر الزاوية لتحقيق هذه الرؤية، وهو دليل على أن التكامل الإقليمي هو السبيل الوحيد للوقوف في وجه تهديدات تعصف بالمنطقة برمتها.