في خضم الأزمات المتتالية التي يعيشها الاقتصاد الليبي، يطفو على السطح ملف تهريب الوقود، الذي بات كابوسًا يثقل كاهل الدولة والمواطن على حدٍ سواء. تصريح ميلود الأسود، عضو لجنة الطاقة بمجلس النواب، يعيد تسليط الضوء على واحدة من أبرز مشكلات الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أن وقف آلية مبادلة النفط يمثل خطوة على الطريق الصحيح للحد من تهريب الوقود. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تكفي هذه الخطوة لمعالجة المشكلة جذريًا؟
يرى الأسود في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24″، أن تهريب الوقود، سواء إلى خارج الحدود أو داخليًا خلال عملية التوزيع بين المخازن ومحطات التعبئة، يشكل جرحًا نازفًا في جسد الاقتصاد الليبي. فهذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة لتراكمات فساد ممنهج وضعف رقابة جعلت من السوق السوداء ملاذًا لمافيا التهريب.
إن وقف آلية مبادلة النفط قد يقلل من الكميات التي يتم تهريبها خارج البلاد، لكنه لن يقضي على الظاهرة بشكل كامل. فالمهربون يمتلكون شبكة معقدة تتغلغل في مفاصل توزيع الوقود، مما يعني استمرار معاناة الليبيين في الحصول على الوقود بأسعار معقولة.
تشير تصريحات الأسود إلى أن مافيا السوق السوداء تظل العنصر الأكثر تهديدًا لاستقرار سوق الوقود الليبي. فهذه المافيا لا تقتصر على تهريب الوقود إلى الخارج فقط، بل تستغل عمليات التوزيع الداخلي لتحقيق أرباح طائلة على حساب المواطن البسيط.
وفي ظل غياب آليات رقابة صارمة وتقنيات حديثة لتتبع توزيع الوقود، ستظل هذه المافيا تستفيد من أي فائض في الكميات المستوردة لتغذية نشاطها غير المشروع.
بحسب الأسود، فإن ضبط الكميات المستوردة بناءً على تقديرات دقيقة لاحتياجات السوق يمثل خطوة مهمة لتقليل الفائض الذي يتم تهريبه. إن وجود خطة استيراد محكمة تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الفعلية للمحطات والمخازن قد يسهم في تقليص الفائض الذي تستغله مافيا التهريب.
لكن هذه الإجراءات لن تؤتي ثمارها دون دعمها بسياسات صارمة لمراقبة التوزيع الداخلي. فالتحدي الحقيقي يكمن في تأمين منظومة توزيع شفافة تمنع تسرب الوقود إلى السوق السوداء.
إن استمرار أزمة تهريب الوقود يزيد من أعباء الاقتصاد الليبي، حيث يؤدي إلى استنزاف الموارد الوطنية وتعميق معاناة المواطنين الذين يدفعون ثمن هذه الفوضى. فعلى الرغم من الدعم الحكومي للوقود، إلا أن الشح المتكرر في المحطات يضطر المواطنين إلى اللجوء للسوق السوداء بأسعار مضاعفة.
في ضوء تصريحات ميلود الأسود، يبدو أن وقف مبادلة النفط يمثل إجراءً ضروريًا لكنه غير كافٍ لمواجهة أزمة تهريب الوقود المتشعبة. فمافيا التهريب التي استفحلت خلال السنوات الماضية تحتاج إلى سياسات شاملة تضرب بجذورها في عمق المشكلة.
إن المعركة ضد تهريب الوقود تتطلب تضافر الجهود بين الجهات الحكومية والرقابية، بالإضافة إلى تبني تقنيات حديثة لتتبع توزيع الوقود ومنع تسربه. وبينما يظل الأمل معقودًا على جهود لجنة الطاقة ومجلس النواب، يبقى التساؤل قائمًا: هل ستنجح ليبيا أخيرًا في كسر شوكة مافيا التهريب؟