في وطن يعاني من ثروات مبعثرة وصراعات مستمرة، يبقى الإنسان هو الضحية الأكبر، خاصة إذا كان مصاباً بمرض مزمن كالفشل الكلوي. تتجلى مأساة هؤلاء المرضى في ليبيا في مراكز غسيل كلى تفتقر إلى أبسط الإمكانات الطبية، ما يدفع المريض إلى رحلة معاناة يومية قد تكون نهايتها الموت.
واقع المأساة.. نقص الأدوية والمعدات
يعاني مرضى الفشل الكلوي من نقص دائم في الأدوية والمعدات الضرورية لتشغيل أجهزة الغسيل. أعلن جهاز الإمداد الطبي أخيراً عن وصول شحنات جديدة، لكنها لا تفي بالغرض، إذ تصل متقطعة وتوزع بشكل غير متوازن. ينتقد طبيب أمراض الكلى هذا الوضع قائلاً: “المعدات تصل ولكن على دفعات، مما يؤدي إلى توقف عمليات الغسيل لفترات طويلة”.
أرقام صادمة ومأساة مستمرة
بحسب تصريحات رئيس المنظمة الوطنية للتبرع وزراعة الأعضاء، توفي أكثر من 170 مريضاً العام الماضي بسبب غياب الرعاية. هذا في ظل إنفاق الحكومة مليارات الدنانير على قطاع الصحة، حيث يشير محمود أبو دبوس إلى إنفاق 13 مليار دينار خلال ثلاث سنوات دون تحقيق نتائج ملموسة.
التحديات الإدارية والصحية
تكشف الأرقام أن أكثر من 6000 مريض يحتاجون إلى غسيل الكلى بشكل دوري، بينما ينتظر 30 ألف مواطن أن يطالهم المرض بسبب ضعف الخدمات الصحية. المراكز المتوفرة لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات المرضى، كما يضطر بعضهم للسفر لمسافات طويلة للحصول على جلسات غسيل الكلى، ما يزيد معاناتهم.
غياب الحلول الحكومية وفساد متفشٍ
تشير الانتقادات إلى وزارة الصحة التي تعجز عن توفير مخزون كافٍ من المستلزمات الطبية. في الوقت ذاته، تكشف تقارير عن فساد إداري أدى إلى تسرّب المعدات إلى السوق السوداء وغياب الرقابة على المراكز الصحية.
المرضى بين صراع البقاء والفساد
تكشف حادثة حبس مدير مركز غسيل الكلى في الأبيار عن تورط مسؤولين في هدر أموال مخصصة لصيانة المراكز. كما أن هناك حالات استبعاد للمرضى من الإعانات المالية لصالح آخرين غير مستحقين، ما يعكس حجم الفساد الذي يهدد هذه الفئة المهمشة.
أمل ضائع أم فرصة للإنقاذ؟
على الرغم من وجود كفاءات طبية قادرة على إجراء عمليات زرع الكلى، إلا أن غياب المعدات يعوق تقدم هذا القطاع. يطالب الأطباء بتطبيق رقابة صارمة على جهاز الإمداد الطبي، وضمان وصول المعدات إلى المراكز بشكل مباشر ومنتظم.
ماذا بعد؟
إن استمر الوضع على ما هو عليه، فإن أعداد الوفيات بين مرضى الكلى ستزداد، وستظل مراكز الغسيل عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الرعاية. في بلد غني بموارده الطبيعية، يجب أن تكون حياة المواطن أولوية، لكن الواقع يعكس إهمالاً متعمداً وضيق أفق من المسؤولين.