وسط زخم سياسي متشابك، ورهانات دولية متقاطعة، أطلت وزيرة خارجية غانا السابقة، حنا تيتيه، برسالتها الأولى إلى العالم منذ أن أوكل إليها منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا. كلماتها التي حملها الفضاء الافتراضي لم تكن مجرد إعلان تقليدي عن تولي مسؤولية جديدة، بل بدت أقرب إلى تعهد دبلوماسي في ساحة معقدة، تداخلت فيها المصالح المحلية والدولية، وصارت دروبها محفوفة بالمخاطر السياسية والأمنية.
بأسلوب هادئ، لكن محسوب النبرة، أكدت تيتيه في منشور لها عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” رصدته “أخبار ليبيا 24″ أنها ستبذل كل ما في وسعها لضمان أداء مهامها بأعلى درجات الكفاءة، مشيرة إلى أهمية التعاون مع الأطراف الليبية الفاعلة ومع كافة الشركاء الدوليين، لضمان تحقيق الهدف الأسمى: استقرار ليبيا. بدا من منشورها عبر “فيسبوك” أنها واعية تمامًا لحجم التحديات، لكنها في الوقت ذاته، حرصت على بعث رسالة طمأنة للداخل الليبي والمجتمع الدولي، مفادها أنها مستعدة لخوض هذا التحدي بكل ما أوتيت من خبرة وحنكة دبلوماسية.
لم يأت تعيين تيتيه في سياق عادي، بل تزامن مع واحدة من أكثر الفترات حساسية في المشهد الليبي، حيث تتعثر جهود تشكيل حكومة موحدة، وتتصاعد الخلافات حول إدارة الموارد، فيما لا تزال التدخلات الأجنبية تلقي بظلال ثقيلة على القرار الوطني. هذه الخلفيات تجعل من مهمتها أشبه بعبور حقل ألغام سياسي، حيث يمكن لأي خطوة غير محسوبة أن تفجر مزيدًا من الأزمات بدلًا من حلها.
لا يمكن تجاهل حقيقة أن تيتيه تحمل سجلًا حافلًا في الوساطة الدبلوماسية، فقد سبق لها أن شغلت منصب الممثل الخاص للأمم المتحدة لدى الاتحاد الأفريقي، كما قادت وزارة خارجية غانا في فترة شهدت تحديات إقليمية كبيرة. هذه الخلفية تجعلها مؤهلة للتعامل مع تعقيدات المشهد الليبي، لكنها في الوقت ذاته، تواجه بيئة سياسية شديدة التعقيد، تتطلب أكثر من مجرد خبرة تفاوضية.
من الناحية النظرية، يحظى تعيين تيتيه بتفاؤل حذر سواء داخل ليبيا أو في أروقة المجتمع الدولي، إذ يرى البعض أن سجلها يثبت قدرتها على التعامل مع الملفات الشائكة، لكن يبقى السؤال الجوهري: هل ستحظى بالدعم الكافي لإنجاز مهمتها؟ في ليبيا، لا تزال الانقسامات السياسية قائمة، والمصالح الدولية متضاربة، وهو ما يجعل نجاح أي مبعوث أممي مرهونًا بمدى التزام الأطراف الفاعلة بالتعاون، وليس فقط بمهارات الوساطة لدى المبعوث.
ما كتبته تيتيه في رسالتها الأولى يعكس وعيها بحجم المهمة وتعقيداتها، لكنها تدرك أيضًا أن الكلمات وحدها لن تكون كافية. الطريق إلى استقرار ليبيا مليء بالعراقيل، والتجارب السابقة أثبتت أن التحديات أكبر من مجرد شخص أو مؤسسة أممية. فهل تكون تيتيه قادرة على إحداث تغيير ملموس؟ أم أن منصبها الجديد سيكون مجرد حلقة أخرى في سلسلة المبعوثين الذين غادروا ليبيا دون تحقيق اختراق حقيقي؟ وحدها الأيام المقبلة ستكشف حقيقة الأمر.