منذ سنوات، ظلت ليبيا تبحث عن طريق يعيد توحيد شعبها الممزق بين صراعات سياسية وأمنية لا تنتهي. المصالحة الوطنية، الحلم الذي يراود الليبيين، باتت اليوم رهينة الانقسامات، بينما تتعدد المبادرات والجهات الراعية لها، من الاتحاد الأفريقي إلى المجلس الرئاسي الليبي، دون تحقيق اختراق فعلي.
في هذا السياق، تحدث عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي، عن تعقيدات ملف المصالحة الوطنية قائلاً: “جهود المصالحة الوطنية باتت منقسمة خاصة بسبب قانون هذه المصالحة والعدالة الانتقالية الذي يتضمن فصولاً تحكم الجميع، بمعنى أنه لابد أن يجلس الجميع ويكون هناك تصالح وفق مواد ونصوص تحكم الجميع”.
كلمات العرفي في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24″، تعكس المعضلة الأساسية في المشهد الليبي؛ الانقسام العميق بين الأطراف السياسية والمسلحة، والذي يجعل من التوافق مهمة شبه مستحيلة. فبينما ينادي البعض بحلول داخلية بحتة، يرى آخرون أن تدخل جهات خارجية مثل الاتحاد الأفريقي قد يكون ضرورياً لضمان حياد العملية.
في محاولة لكسر الجمود، عُقدت جلسات في أديس أبابا تحت إشراف الاتحاد الأفريقي بهدف توقيع ميثاق للمصالحة الوطنية. ورغم توقيع بعض الأطراف على هذا الميثاق، إلا أن انسحاب واعتراض قوى أخرى شكل ضربة موجعة للمسار. العرفي أوضح أن “انسحاب واعتراض بعض الأطراف على التوقيع يعكس هذا الانقسام”.
الميثاق، الذي كان من المفترض أن يكون نقطة انطلاق لمرحلة جديدة، أصبح هو الآخر ضحية الانقسامات. البعض يرى أن هذه الجلسات الخارجية تُبعد الحل عن الليبيين أنفسهم، بينما يعتبرها آخرون فرصة لا يمكن تجاهلها.
ليبيا، كعضو في الاتحاد الأفريقي، تحظى باهتمام خاص من المنظمة، التي ترى في المصالحة الليبية جزءاً من استقرار القارة. العرفي علّق على ذلك قائلاً: “لا ضير أن يكون للاتحاد دور في حل ملف المصالحة وفي احتضان فعاليات للتوقيع، لكن تفتت الجهود يعود إلى التأثر بالانقسام الأمني والسياسي في ليبيا”.
الاتحاد يجد نفسه في موقف حرج؛ فبين الرغبة في دعم استقرار ليبيا والحفاظ على مبدأ السيادة الوطنية، تتأرجح مواقفه. ومع ذلك، يبقى وجوده ضرورياً لضمان حد أدنى من التوازن في العملية.
إحدى النقاط الحساسة التي أثارها العرفي هي توظيف بعض الأطراف للأجهزة الأمنية لخدمة مصالحها الشخصية وحماية حلفائها. هذه الظاهرة ليست جديدة في المشهد الليبي، لكنها أصبحت أكثر وضوحاً في ظل الفوضى الحالية.
استغلال الأجهزة الأمنية يعمّق الانقسامات ويزيد من صعوبة تحقيق مصالحة حقيقية. طالما ظلت هذه الأجهزة أداة في يد أطراف معينة، سيبقى الطريق إلى المصالحة محفوفاً بالعقبات.
ورغم كل التعقيدات، عبّر العرفي عن بعض التفاؤل قائلاً: “أتوقع أن تنجح جهود المصالحة في دفع هذا الملف خاصة أن هناك أطرافاً وقعت على الميثاق”.
التفاؤل الحذر يبدو هو السمة السائدة بين الليبيين اليوم. فالبلاد بحاجة ماسة إلى مصالحة شاملة تنهي سنوات من الانقسام والمعاناة. نجاح هذه الجهود يتطلب إرادة سياسية قوية، وتنازلات من جميع الأطراف.
المصالحة الوطنية ليست مجرد وثيقة تُوقع أو مؤتمر يُعقد، بل هي عملية طويلة وشاقة تتطلب التزاماً حقيقياً من كل الأطراف. التحدي الأكبر يكمن في تجاوز المصالح الضيقة والتركيز على المصلحة العليا للبلاد.
في نهاية المطاف، تبقى المصالحة الوطنية السبيل الوحيد لإنقاذ ليبيا من دوامة العنف والانقسام. فهل يستطيع الليبيون تجاوز خلافاتهم وإيجاد أرضية مشتركة لبناء مستقبل أفضل؟
يبقى هذا السؤال معلقاً، لكن الأمل لا يزال قائماً في أن تجد ليبيا طريقها نحو السلام والاستقرار.