في لقاء يعكس محاولات المجتمع الدولي لإيجاد مخرج من دوامة الأزمة الليبية، استقبل رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، اليوم الأربعاء، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حنا سيروا تيتيه، والوفد المرافق لها في مكتبه بمدينة بنغازي.
لم يكن هذا الاجتماع مجرد بروتوكول سياسي، بل حمل في طياته رسائل جوهرية حول تطورات المشهد الليبي الذي لا يزال يعاني من انسداد سياسي حال دون تحقيق انفراجة حقيقية. في هذا السياق، أكد عقيلة صالح خلال اللقاء على التزام مجلس النواب بالاتفاق السياسي، ومخرجات لجنة (6+6)، والتي اعتُبرت في وقتها خطوة مفصلية نحو وضع إطار قانوني يمهد الطريق لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. غير أن هذه المخرجات لا تزال حبيسة التعقيدات السياسية، وسط خلافات متصاعدة بين الأطراف الليبية المختلفة.
واحدة من القضايا الأكثر إلحاحًا في النقاش كانت الحاجة إلى تشكيل حكومة موحدة، وهي خطوة لا غنى عنها لكسر حالة الجمود والانتقال إلى مرحلة استقرار سياسي يتيح المجال لتنظيم الانتخابات. فحتى اللحظة، لا تزال السلطة التنفيذية منقسمة بين حكومتين، ما يعيق أي محاولات لترتيب المشهد السياسي، ناهيك عن الملفات الاقتصادية والخدمية التي تعاني من الفوضى بفعل هذا الانقسام.
من جهتها، شددت تيته على أن البعثة الأممية لن تدخر جهدًا في التقريب بين الفرقاء السياسيين، مؤكدة أن إعادة بناء الثقة بين الأطراف المتناحرة ضرورة أساسية لأي حل مستدام. وأشارت إلى أن تجاوز الجمود الحالي يتطلب التزامًا صادقًا من جميع الأطراف الليبية بعملية سياسية جامعة لا تستثني أحدًا.
الحديث عن الانتخابات في ليبيا لم ينقطع منذ سنوات، لكن في كل مرة يقترب فيها هذا الملف من التنفيذ، تصطدم الإرادة الوطنية بالتجاذبات السياسية. ورغم أن المستشار عقيلة صالح أكد على أهمية الإسراع في تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، إلا أن ذلك يبقى مرهونًا بالتوافق حول آلية واضحة لتوحيد السلطة التنفيذية، وضمان توفير المناخ الملائم لإجراء اقتراع يعبر عن إرادة الشعب الليبي دون تلاعب أو تدخل خارجي.
في هذا السياق، يُطرح التساؤل: هل يمكن لمجلس النواب، بالتعاون مع البعثة الأممية، تحقيق التوافق المطلوب لكسر هذه الدوامة؟ أم أن الملف الانتخابي سيظل ورقة ضغط تستخدمها الأطراف المختلفة لتحقيق مكاسب سياسية؟
بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لا تزال تسعى جاهدة لتكون عامل توازن بين القوى السياسية، إلا أن مهمتها تعترضها تحديات جسيمة، أبرزها فقدان الثقة بين الأطراف الليبية، والتدخلات الخارجية التي تعقّد أي محاولات للوساطة. فالتجارب السابقة أظهرت أن أي حل لا ينبع من الداخل الليبي يكون مصيره التعثر، وهو ما يدفع نحو ضرورة إيجاد آلية وطنية خالصة لإنهاء الأزمة.
في النهاية، يبقى السؤال الأبرز: هل ستتمكن الأطراف الليبية من تجاوز العقبات السياسية الراهنة والمضي قدمًا نحو توافق يفضي إلى انتخابات نزيهة وحكومة موحدة؟ أم أن الجمود السياسي سيظل سيد الموقف، مما يطيل أمد المرحلة الانتقالية ويفتح الباب لمزيد من التعقيدات؟ الإجابة، كما هو الحال دائمًا، تكمن في مدى استعداد الأطراف المتناحرة لتقديم التنازلات من أجل مصلحة الوطن قبل أي شيء آخر.