في مشهد أشبه بالعصور القديمة، حيث كانت أسراب الجراد تجتاح الأراضي فتُغطي الشمس وتلتهم الزرع، يعود الجراد الصحراوي اليوم ليعيد نفس السيناريو الكارثي في المناطق الجنوبية. يروي المزارعون قصصًا مأساوية عن حقول كانت خضراء بالأمس وأصبحت اليوم أثرًا بعد عين، بينما تصدر أصوات التحذير من الخبراء، وعلى رأسهم حسين البريكي، المتحدث الرسمي للجنة الوطنية لمكافحة الجراد، الذي أعلن بصراحة أن الوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم.
الأمر ليس مجرد مرور عابر للجراد، بل هو اجتياح كامل! أسراب كثيفة تتكاثر بشكل غير مسبوق، تُحلق فوق الأراضي الزراعية كالغيم الداكن، لا تترك وراءها إلا الخراب. ومع دخول الجراد في مرحلة التزاوج ووضع البيض، فإن الخطر يتضاعف، حيث إن دورة حياته السريعة ستؤدي إلى انفجار عددي يُحوّل الحقول إلى ساحات دمار شامل.
المصيبة الأكبر ليست في الغزو نفسه، بل في غياب الإمكانيات لمكافحته. يعترف البريكي بمرارة في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” أن البلاد تعاني نقصًا حادًا في المبيدات وآليات وسيارات الرش، مما يجعل المعركة غير متكافئة على الإطلاق. وكأننا نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا الغزو الطبيعي الذي يهدد الأمن الغذائي برمته.
في ظل هذا الواقع المأساوي، توجهت اللجنة الوطنية لمكافحة الجراد بنداء عاجل وصارخ للحكومة والمسؤولين لتوفير النواقص فورًا، محذرة من أن أي تأخير في المواجهة سيكون كارثيًا، ليس فقط على المحاصيل الزراعية، ولكن على حياة ملايين البشر الذين يعتمدون على هذه الأراضي في قوتهم اليومي.
إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإن السيناريوهات القادمة لن تكون أقل من كارثة بيئية وزراعية. الجراد قادر على القضاء على آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في ساعات، ومع مرور الوقت، سنجد أنفسنا أمام أزمة غذائية خانقة، قد تمتد آثارها لأشهر وربما لسنوات.
الكرة الآن في ملعب الجهات المعنية، فإما أن تتحرك بشكل عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو أن نبقى متفرجين على مأساة تتكشف أمام أعيننا، حيث لن يكون بعدها نفعٌ للندم!