ليبيا الان

ليبيا تلاحق الجراد الصحراوي قبل التكاثر وإنهاك المحاصيل

مصدر الخبر / اخبار ليبيا 24

في عمق الجنوب الليبي، حيث تمتد المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية التي تعاني من شح الإمكانيات وضعف البنية التحتية، تخوض فرق مكافحة الجراد الصحراوي سباقًا مريرًا ضد الزمن. هذا الكائن الصغير الذي يبدو هينًا في مظهره، يخفي وراء جناحيه خطرًا داهمًا على الأمن الغذائي، مهددًا المحاصيل الزراعية بالفناء ما لم يتم احتواؤه قبل أن ينطلق في دورة تكاثر جديدة، تضعف معها فرص القضاء عليه.

المهدي التارقي، المتحدث الرسمي باسم اللجنة الوطنية لمكافحة الجراد الصحراوي في ليبيا، أطلق تحذيرًا واضحًا: الجراد في طور الحشرة الكاملة، وإن لم تتم مكافحته على الفور، فسيدخل في مرحلة التزاوج ووضع البيوض، وهي المرحلة الأخطر التي تعني تضاعف الأعداد بشكل كارثي. هذه الكائنات الصغيرة لا تعرف الحدود، تعبر الصحارى وتستوطن الأودية مستغلة الأمطار والرطوبة، لتجد في ليبيا بيئة خصبة تسمح لها بالاستقرار والتكاثر.

تاريخيًا، ظل الجراد الصحراوي يمثل أحد أسوأ الكوارث الطبيعية التي تضرب الأراضي الزراعية في العالم، حيث تتكرر دوراته الوبائية كلما توفرت الظروف المناخية الملائمة. أما في ليبيا، فإن الوضع يزداد تعقيدًا بسبب غياب أنظمة التنبؤ المبكر التي تساعد على رصد تحركاته قبل أن يصل إلى المناطق الزراعية، الأمر الذي يُضعف الاستعدادات اللازمة لمواجهته بفعالية.

تواجه فرق المكافحة في الجنوب الليبي تحديات قاسية، إذ تعاني من نقص حاد في المبيدات وندرة الإمكانيات الفنية التي تُسهل عمليات الرش والتطهير. يقول التارقي إن فرق المكافحة تعمل بإمكانات محدودة، ورغم الجهود المبذولة، فإن المساحات الشاسعة تحتاج إلى إمكانيات أكبر مما هو متوفر حاليًا. وهذا النقص يطيل أمد المعركة، مما يسمح للجراد بالتكاثر والتوغل أكثر في المناطق الزراعية.

وتشير التقديرات إلى أن الجراد الصحراوي، وخاصة في طور اليرقات، يمكن أن يتسبب في تدمير ما يصل إلى 90% من المحاصيل الزراعية خلال فترة وجيزة. هذا الرقم الصادم يعكس حجم الخطر المحدق بآلاف المزارعين الذين يعتمدون على هذه المحاصيل كمصدر أساسي للرزق، مما ينذر بكارثة اقتصادية إذا لم تتم السيطرة عليه في الوقت المناسب.

بحسب الخبراء، فإن الجراد الذي اجتاح جنوب ليبيا مؤخرًا جاء في طور الحشرة الكاملة، مما يدل على أنه استوطن بعض المواقع لفترة طويلة قبل أن يظهر للعلن. بعض الأودية كانت بيئة ملائمة لنموه وتكاثره، حيث توافرت الظروف المناخية الملائمة التي منحته القدرة على البقاء بعيدًا عن الأنظار حتى اشتدت أعداده.

ورغم أن الجراد الصحراوي عادةً ما يصل إلى ليبيا قادمًا من دول الجوار، إلا أن ضعف آليات الرصد والتحليل جعل من الصعب تحديد مصادره بدقة، ما أدى إلى تأخر الاستجابة له. ولو كانت هناك أنظمة متطورة للتنبؤ بالحركة الموسمية لهذه الآفة، لكان من الممكن احتواؤها قبل أن تتحول إلى تهديد شامل.

رغم الصعوبات، فإن فرق المكافحة لم تستسلم، حيث تبذل جهودًا مضنية لتقليل الأضرار قدر الإمكان. يؤكد التارقي أن الوضع لا يزال تحت السيطرة حتى الآن، ولكن الأمر مرهون بتوفير الإمكانيات اللازمة لمكافحة الجيل الجديد من الجراد قبل أن يصل إلى مرحلة الكارثة.

ويأمل الخبراء في أن تحصل ليبيا على دعم إضافي لتعزيز قدراتها في مواجهة الجراد، سواء من خلال التعاون مع المنظمات الدولية أو عبر تخصيص ميزانيات إضافية لعمليات المكافحة. فتجاهل هذا التهديد قد يؤدي إلى تداعيات كارثية لن تقتصر على الجنوب الليبي وحده، بل قد تمتد إلى باقي مناطق البلاد، مما يشكل تحديًا للأمن الغذائي برمته.

إن مكافحة الجراد الصحراوي ليست مجرد قضية زراعية عابرة، بل هي معركة مفتوحة مع الطبيعة، تُحدد نتائجها مصائر آلاف الأسر الليبية التي تعتمد على المحاصيل الزراعية كمصدر رزق وحيد. في ظل غياب الدعم الكافي، يبقى الأمل معلقًا على عزيمة فرق المكافحة التي تواصل عملها رغم كل العراقيل، متسلحة بالإرادة لمواجهة هذا الزائر المدمر، قبل أن تتحول غاراته الموسمية إلى نكبة زراعية تهدد مستقبل الأمن الغذائي في ليبيا.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من اخبار ليبيا 24

عن مصدر الخبر

اخبار ليبيا 24