تشهد الأسواق في ليبيا موجة ارتفاع حادة في أسعار الخضراوات خلال شهر رمضان، ما يفاقم الأعباء الاقتصادية على المواطنين والتجار، وسط غياب رقابي واضح وإجراءات حكومية لا تزال دون تأثير ملموس. هذه الأزمة تعكس واقع الاقتصاد الليبي المتأزم، حيث ترتبط الأسعار ليس فقط بالطلب والعرض، بل أيضاً بعوامل أخرى تتعلق بضعف البنية التحتية للأسواق، وارتفاع تكاليف النقل، والمضاربات التجارية.
وفقاً لتقرير صادر عن وحدة الأسعار بوزارة الاقتصاد في حكومة الوحدة الوطنية، شهدت بعض الخضراوات زيادات غير مسبوقة في أسعارها خلال شهر رمضان، حيث ارتفع سعر البطاطا من الفئة الثانية إلى خمسة دنانير، بينما قفزت الفئة الأولى إلى سبعة دنانير، مسجلة زيادة بنسبة 25% مقارنة بالشهر السابق. كما ارتفع سعر الخيار من خمسة دنانير إلى تسعة دنانير، والكوسة من ثلاثة إلى ثمانية دنانير، والفلفل من أربعة إلى سبعة دنانير. أما الطماطم والبصل، فقد حافظا على استقرار نسبي، نظراً لتوفر الإنتاج المحلي بكميات جيدة.
عبد الباسط المزوغي، مدير إدارة الأمن الغذائي بوزارة الاقتصاد بحكومة الدبيبة منتهية الولاية، أكد أن الارتفاع في الأسعار كان طفيفاً في بداية الشهر، لكنه بدأ بالتراجع تدريجياً. وأضاف أن الوزارة تتابع الأسواق يومياً وتعمل على الحد من أي تلاعب أو احتكار قد يؤدي إلى مزيد من الغلاء.
يرى التجار أن المشكلة الرئيسية تكمن في محدودية العرض مقارنة بالطلب المتزايد خلال شهر رمضان. عبد الله الشريف، تاجر جملة بسوق الخضراوات في جنزور، يقول: “الأسواق تشهد ضغطاً كبيراً في رمضان، لكن المشكلة ليست فقط في الطلب، بل أيضاً في نقص الإمدادات الناتج عن ارتفاع تكاليف النقل وضعف التدفق السلعي”.
أما عبد الله بن رمضان، تاجر في سوق الخضراوات جنوب طرابلس، فيشير إلى أن بعض المستهلكين يعمدون إلى شراء كميات كبيرة من الخضراوات دفعة واحدة، ما يؤدي إلى اضطراب السوق وزيادة الأسعار. “هناك مخاوف دائمة من استمرار الغلاء، ولذلك يقوم الناس بشراء أكثر مما يحتاجون، ما يخلق طلباً زائفاً يؤدي إلى ارتفاع الأسعار أكثر”، يضيف بن عيسى.
بينما يستفيد بعض التجار من ارتفاع الأسعار، فإن المواطن يعاني من تداعيات هذه الأزمة على ميزانيته الشهرية. الصادق الهمالي، وهو موظف حكومي يعيل أسرة مكونة من سبعة أفراد، يقول: “100 دينار لم تعد تكفي لشراء احتياجاتنا الأساسية من الخضراوات والفواكه، وراتبي البالغ 2600 دينار لم يعد كافياً وسط هذه الزيادات المستمرة في الأسعار”.
أما فاطمة العابد، ربة منزل، فتوضح أنها باتت تقلل من كميات الخضراوات التي تشتريها، وتعتمد على أنواع أقل تكلفة في محاولة للتكيف مع الوضع الاقتصادي الصعب. “نحاول الاقتصاد في الاستهلاك، لكن الأسعار في تصاعد مستمر، ولا يبدو أن هناك أي حلول قريبة”، تقول العابد.
يرى المختص في الاقتصاد الزراعي، علي بن الطاهر، أن أزمة الأسعار في ليبيا ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات طويلة لممارسات احتكارية ومضاربات في الأسواق. “الطلب ليس السبب الوحيد للغلاء، بل هناك شبكات احتكار تستغل ضعف الرقابة الحكومية لرفع الأسعار بشكل غير مبرر. من الضروري تفعيل دور الأجهزة الرقابية وجمعيات حماية المستهلك للحد من هذه التجاوزات”، يوضح بن الطاهر.
ويرتبط ارتفاع أسعار الخضراوات في ليبيا أيضاً بارتفاع مؤشر أسعار المستهلك، وهو مؤشر يعكس التغيرات في تكلفة المعيشة، بما يشمل المواد الغذائية، السكن، النقل، والصحة. ومع استمرار التضخم، تتآكل القدرة الشرائية للمواطنين، ما يؤدي إلى مزيد من الضغوط المعيشية.
رغم التصريحات الرسمية بأن الحكومة تتابع الأسواق وتتخذ إجراءات لضبط الأسعار، إلا أن هذه التدابير لم تنجح حتى الآن في الحد من الأزمة. وزارة الاقتصاد تؤكد أنها تراقب الأسواق، لكن نقص الكوادر الرقابية وعدم وجود آليات تنفيذ صارمة يحد من فعاليتها.
الحكومة تطرح أيضاً حلولاً لدعم الاستيراد وزيادة تدفق السلع، لكن هذه الإجراءات تصطدم بارتفاع تكاليف النقل الدولي وصعوبة الإجراءات الجمركية. كما أن تذبذب سعر صرف الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية يزيد من تعقيد الأزمة، حيث ترتفع تكلفة استيراد السلع من الخارج، ما ينعكس مباشرة على أسعار السوق المحلية.
يرى الخبراء أن الحلول تتطلب إجراءات أكثر شمولية، منها:
في ظل الوضع الحالي، يبدو أن الأزمة ستستمر طالما أن الحلول الحكومية لا تترجم إلى إجراءات ملموسة. وبينما يتصارع المواطن الليبي مع ارتفاع الأسعار، تبقى الآمال معلقة على تدخل أكثر حزماً من الدولة لضبط الأسواق وحماية المستهلكين من فوضى الأسعار.