في ليبيا، أصبح الحديث عن الفساد مغامرة قد تكلّف أصحابها حياتهم. في ظل غياب آليات الحماية القانونية، يجد المبلغون عن الفساد أنفسهم في مواجهة مباشرة مع قوى مجهولة، ما يجعلهم عرضة للاختطاف أو التهديد أو حتى القتل، كما حدث مع المهندس محمد القماطي، الذي اختفى بعد كشفه ملفات فساد، في واقعة تتكرر مع كل من يحاول فضح المستور.
كشف الناشط السياسي حسام القماطي، عن اختطاف شقيقه المهندس محمد القماطي، بعد نشره تقارير عن قضايا فساد في ليبيا. ووفقًا لشهادات محلية، لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها نشطاء للكبت والترهيب بسبب فضحهم للمخالفات المالية والإدارية.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي الدكتور خالد الحجازي: “لا يوجد في ليبيا، حتى الآن، نظام فعّال لحماية المبلغين عن الفساد، مما يتركهم عرضة للانتقام، سواء عبر التهديدات، أو الاعتقال، أو حتى القتل.” وأضاف أن “غياب تشريعات واضحة تحمي هؤلاء، إلى جانب ضعف صلاحيات الهيئة العامة لمكافحة الفساد، يزيد من حجم المخاطر التي يواجهها المبلغون.”
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي محمد صالح العبيدي أن “ليبيا تعيش مناخاً ترهيبياً للمبلغين عن الفساد، شأنهم في ذلك شأن الصحفيين والناشطين السياسيين”. وأكد أن “الميليشيات المسلحة تزيد من تفاقم الأزمة، حيث باتت تسيطر على العديد من مفاصل الدولة، ما يجعل أي محاولة لكشف الفساد مغامرة محفوفة بالمخاطر”.
وأشار العبيدي إلى أن “السلطات الليبية مطالبة باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية هؤلاء المبلغين، خاصة أنهم يواجهون تهديدات مباشرة من جماعات مسلحة لا تخضع لأي رقابة قانونية أو أمنية”.
يرى مراقبون أن الحل الأمثل لمواجهة هذه الظاهرة يكمن في إصدار قوانين صارمة تضمن الحماية القانونية للمبلغين عن الفساد، وتوفر لهم بيئة آمنة للإبلاغ عن المخالفات دون خوف من الانتقام.
وفي هذا السياق، شدد الحجازي على أن “غياب التشريعات الداعمة للشفافية والمساءلة يجعل مكافحة الفساد أمراً شبه مستحيل، خصوصاً في ظل انتشار الميليشيات التي تعمل كدروع تحمي الفاسدين”.
وختم حديثه قائلاً: “إن الوضع الحالي في ليبيا لا يضمن أي حماية للمبلغين عن الفساد، مما يخلق بيئة ترهيب تمنع كشف المخالفات، وتعرقل الجهود الرامية إلى بناء دولة القانون.”
في ظل هذه الظروف، تبقى قضية المبلغين عن الفساد في ليبيا مفتوحة على مصير مجهول، حيث يظل هؤلاء بين خطر الاستهداف والصمت القسري، بينما يبقى الفساد مستشرياً دون رادع حقيقي.