ليبيا تدفع فاتورة صراعات غيرها: رسوم جمركية أمريكية تفتح باب التساؤلات
في تطور غير متوقع، أعلنت السلطات الأمريكية إدراج ليبيا ضمن قائمة الدول الخاضعة لرسوم جمركية مشددة بنسبة تصل إلى 31%، رغم غياب أي نشاط تجاري فعلي يذكر بين البلدين. ويأتي هذا الإجراء في إطار سياسة وقائية تهدف إلى سد الثغرات في النظام التجاري الدولي، وسط تحذيرات من تداعياته على الاقتصاد الليبي المنهك أصلاً.
القرار الأمريكي أثار ردود فعل متباينة. ففي الوقت الذي استغرب فيه مراقبون شمول ليبيا بهذه الرسوم رغم ضعف التبادل التجاري المباشر، أشار اقتصاديون إلى أن المسألة تتعدى الأرقام لتصل إلى ما هو أبعد من الاقتصاد، وتلامس قضايا تتعلق بالأمن التجاري والسيادة الجمركية.
المحلل الاقتصادي محمد أحمد أوضح أن الولايات المتحدة تخشى استخدام الأراضي الليبية كمنصة عبور لسلع خاضعة لقيود أميركية، لاسيما تلك القادمة من الصين أو تركيا. فبعض التجار، وفق تعبيره، يعمدون إلى تحوير منشأ السلع وإعادة تصديرها عبر دول ذات رقابة ضعيفة، وهو ما يجعل من ليبيا، في ظل واقعها الجمركي الهش، هدفاً محتملاً لمثل هذه العمليات.
أما الخبير المالي صبري ضوء، فذهب إلى أبعد من ذلك، معتبراً أن خلفية القرار تحمل أبعاداً سياسية، تهدف للضغط على ليبيا لإعادة النظر في شراكاتها التجارية، لا سيما مع بكين وأنقرة. ويرى ضوء أن الرسوم الجمركية ليست سوى أداة ضغط ضمن أدوات السياسة الأميركية العالمية.
لكن الأثر الفعلي لم يتأخر في الظهور محلياً. فبحسب أستاذ الاقتصاد عادل المقرحي، فإن السوق الليبية، التي تعتمد بشكل شبه كامل على الواردات، شهدت موجة تضخم جديدة، خاصة في قطاعي البناء والإلكترونيات، حيث ارتفعت الأسعار بنسب تراوحت بين 20 و30%. وقال إن “ما يحدث هو عبء جديد على المواطن الذي يدفع ثمن سياسات لا دخل له بها”.
التداعيات امتدت كذلك إلى مؤشرات الاقتصاد الكلي. حيث سجل المصرف المركزي الليبي تراجعاً في حجم التجارة الخارجية خلال النصف الأول من عام 2024 بنسبة 4.7%، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وهو ما اعتبره محللون مؤشراً على تراجع النشاط التجاري وتقلص القدرة الاستيرادية.
من جانبه، أكد الخبير عبد الهادي الأسود أن الاقتصاد الليبي بات عرضة لكل اضطراب خارجي، نظراً لغياب منظومة حماية اقتصادية حقيقية، واستمرار حالة عدم الاستقرار النقدي وسعر الصرف. وقال إن “كل أزمة عالمية باتت تنعكس على ليبيا بشكل مباشر، بسبب هشاشة بنيتها الاقتصادية وتبعيتها للأسواق العالمية”.
وسط هذه الفوضى الاقتصادية الدولية، تبقى ليبيا نموذجاً لدولة تدفع ثمن المعارك التي لا تخوضها، وتعاني من تبعات قرارات تُتخذ بعيداً عن ساحتها، لكنها تصيبها في العمق.