لجنة بلا جذور: توصيات دولية تنتظر اعترافًا محليًا في ليبيا
على مشارف تقديم خلاصتها إلى مجلس الأمن الدولي، تقف اللجنة الاستشارية العليا التي شكلتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على أرض مهتزة، في مشهد يعكس مجددًا عمق الأزمة السياسية والتشريعية التي تخنق البلاد منذ سنوات.
اللجنة التي تشكلت في فبراير الماضي، وتضم عشرين شخصية ليبية اختيروا على أساس تقدير البعثة لخبراتهم، تواجه اليوم أسئلة كبرى تتجاوز محتوى توصياتها المنتظرة، إلى مشروعية وجودها من الأساس.
وفي وقت يرتقب فيه أن تُدرج نتائج عمل اللجنة ضمن الإحاطة التي ستقدمها المبعوثة الأممية للمجلس الدولي منتصف أبريل الجاري، لا يزال غياب التمثيل المؤسسي والسياسي لأطراف النزاع الفعليين يشكل ثغرة قاتلة في بنيتها، قد تُفقد ما تصدره من مخرجات أي تأثير فعلي على الأرض.
الدكتور يوسف الفارسي، رئيس حزب “ليبيا الكرامة”، عبّر في تصريحات صحفية عن استيائه مما وصفه بـ”انحراف دور البعثة عن وظيفتها الاستشارية”، مؤكدًا أن تشكيل لجنة بهذه الصلاحيات دون إشراك المؤسسات السيادية الليبية يعد تغوّلًا على السيادة الوطنية، وتجاوزًا للحدود المقبولة دوليًا.
وقال الفارسي: “أي محاولة لفرض حلول جاهزة من الخارج ستقابل بالرفض، لأنها ببساطة تتجاهل البنية الداخلية المعقدة للأزمة الليبية، والتي لا يمكن اختزالها في نقاش حول القاعدة الدستورية فقط”.
وفي الاتجاه ذاته، يرى الخبير السياسي محمد اللافي أن اللجنة الاستشارية الحالية لا تختلف كثيرًا عن محاولات سابقة فشلت في تفكيك العقدة الليبية، من لجنة فبراير إلى حوار جنيف، وصولاً إلى لجنة “6+6” التي كانت أقرب إلى المسرحية السياسية منها إلى الحراك الحقيقي.
وأشار اللافي إلى أن هذه اللجنة، رغم الاجتماعات التي عقدتها داخل البلاد، لم تحصل على موقف رسمي واضح من مجلس النواب أو المجلس الأعلى للدولة، مما يفتح الباب أمام تجاهل تام لمخرجاتها، أو حتى الطعن في شرعيتها من الأساس.
وأضاف أن غياب الإرادة السياسية لدى الفرقاء الليبيين، فضلًا عن انشغال المجتمع الدولي بأزمات أخرى أكثر تعقيدًا، يجعل من مهمة اللجنة الحالية محاولة جيدة في التوقيت الخطأ، أو كما قال: “جهد بلا عمق، وصوت بلا صدى”.
ويرى مراقبون أن غياب الدعم المحلي، سواء من السلطات التشريعية أو من الشارع الليبي نفسه، يمثل العائق الأكبر أمام نجاح هذه المبادرة، التي يبدو أنها ستكتفي بإضافة فصل جديد إلى كتاب المبادرات الدولية التي انتهت بلا أثر.
في خضم هذا الجدل، تبقى الحقيقة الوحيدة المؤكدة أن الأزمة الليبية أعمق من أن تُحل بلجنة استشارية، حتى لو اجتمع لها الدعم الدولي والخبرة الفنية. فالمعضلة في ليبيا اليوم لم تعد تقنية أو قانونية، بل سياسية وأمنية في جوهرها، تتطلب توافقًا داخليًا حقيقيًا، لا ورقة توصيات تُرفع في قاعات نيويورك.