في العاصمة الأمريكية واشنطن، شهدت أروقة غرفة التجارة الأمريكية لقاءً جمع عدداً من ممثلي الأعمال الليبيين، ضمن مبادرة تهدف إلى تعزيز أوجه التعاون الاقتصادي بين ليبيا والولايات المتحدة، على الرغم من مناخ سياسي أمريكي يزداد اضطراباً في ظل صعود خطابات تثير القلق حيال مستقبل العلاقات مع دول عربية.
يرى الباحث في الشؤون السياسية، محمود إسماعيل الرملي، أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب أعادت صياغة مفهوم السياسة الدولية بعيداً عن الإيديولوجيا، معتمدة على مقاربة اقتصادية نفعية بحتة. ويشير الرملي إلى أن “ترامب لا يؤمن إلا بلغة المصالح”، وأن رؤيته للسياسة الخارجية ترتكز على تعظيم العائد الاقتصادي من العلاقات الدولية، وليس على المبادئ أو التحالفات التقليدية.
في هذا السياق، تبرز ليبيا بوصفها دولة ريعية تزخر بموارد طبيعية هائلة، لا سيما في قطاعي النفط والغاز، ما يجعلها محط أنظار شركات أمريكية تبحث عن أسواق جديدة وفرص استثمارية واعدة. يضيف الرملي أن هناك آفاقاً كبيرة لتوسيع التعاون في مجالات الطاقة التقليدية وغير التقليدية، مع إمكانية الاستفادة من التكنولوجيا الأمريكية المتطورة في عمليات الاستكشاف والإنتاج.
إلى جانب ثرواتها الطبيعية، تحتل ليبيا موقعاً جغرافياً يجعلها بوابة استراتيجية نحو القارة الإفريقية، وهي ميزة تضاعف من أهميتها في ظل التنافس الدولي على النفوذ في إفريقيا. ويؤكد الرملي أن هذا الوضع يمنح ليبيا موقعاً تفاوضياً متقدماً إذا ما تم استثماره بحنكة سياسية ورؤية اقتصادية مدروسة.
ورغم هذه الإمكانيات، يحذر الخبراء من أن الشراكة الاقتصادية الحقيقية لا يمكن أن تزدهر دون أرضية سياسية مستقرة ومؤسسات فاعلة. ويشدّد الرملي على أن أي تعاون اقتصادي مع الولايات المتحدة ينبغي أن يُترجم إلى دعم مباشر لمؤسسات الدولة الليبية، لا لمصالح شخصيات أو أطراف محددة، وأن يُبنى على أساس من الحوكمة والشفافية والاحترام المتبادل.
في المقابل، أعرب الخبير الاقتصادي محمد درميش عن تحفظه حيال الفاعلية السياسية للمنتدى الذي نظمه مجلس العلاقات الليبية الأمريكية، موضحاً أن هذه المبادرة تندرج ضمن أنشطة المجتمع المدني ولا تمثل موقفاً رسمياً. وأضاف أن المنتدى، وإن كان يحمل قيمة رمزية، إلا أنه يفتقر إلى مشاركة مؤثرة من صناع القرار الأمريكيين أو ممثلين رسميين من الطرف الليبي، ما يحد من أثره الفعلي.
وأشار درميش إلى أن تحسين بيئة الاستثمار في ليبيا يظل رهيناً بإصلاحات عميقة تشمل تحقيق الاستقرار السياسي، وتحديث البنية التحتية، وتطوير النظام المصرفي، إلى جانب ضرورة إقامة شراكات مدروسة بين القطاعين العام والخاص. واعتبر أن مؤسسات المجتمع المدني أو الغرف التجارية لا يمكنها تقديم الضمانات التي يحتاجها المستثمرون الأجانب في ظل غياب دور فاعل للدولة.
وختم درميش بالإشارة إلى أن بناء علاقات اقتصادية مثمرة مع الولايات المتحدة يتطلب انخراطاً أوسع يشمل السفارة الأمريكية، ومؤسسات رسمية ليبية، وشخصيات أمريكية فاعلة في الاقتصاد والسياسة، بعيداً عن اللقاءات الرمزية أو المنتديات الشكلية التي لا تؤثر في دوائر القرار الحقيقي.