وساطة تونسية تحت مظلة أممية
في ظل تفاقم الأزمة الليبية واحتدام المواجهات المسلحة بالعاصمة طرابلس، برزت تونس مجددًا كلاعب دبلوماسي يسعى لفتح ثغرة في جدار الانسداد السياسي الليبي. فقد أعلنت وزارة الخارجية التونسية، خلال مشاركتها في القمة العربية المنعقدة ببغداد، ورصدته وكالة أخبار ليبيا 24 استعداد تونس الكامل لاستضافة حوار “ليبي – ليبي” برعاية بعثة الأمم المتحدة، وذلك بهدف التوصل إلى حل سياسي شامل يحفظ وحدة ليبيا ويحقق الاستقرار لشعبها.
التحرك التونسي لم يكن مفاجئًا، إذ درجت تونس على تبني سياسة “النأي عن الاصطفاف”، مركزةً على أن الحل يجب أن يكون ليبيًا صرفًا، دون تدخلات أو إملاءات خارجية. المبادرة تنسجم مع موقف رسمي تونسي يرى أن استقرار ليبيا جزء من الأمن القومي التونسي، وأن الجوار الجغرافي يفرض مسؤولية مباشرة في دعم أي مسار للحل.
لم تكن هذه أول مرة تقترح فيها تونس أداء دور الوسيط في الأزمة الليبية. ففي نوفمبر 2020، احتضنت تونس “منتدى الحوار السياسي الليبي” الذي شكّل منعرجًا هامًا في المشهد السياسي آنذاك. كما سبق أن شهدت العاصمة التونسية عدة لقاءات أمنية وسياسية ليبية – جزائرية – تونسية، كان هدفها التنسيق الإقليمي وضمان استقرار الحدود.
زيارات رسمية متعددة، أبرزها زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى طرابلس في مارس 2021، دعمت هذا التوجه، وأكدت على رغبة تونس في لعب دور مسؤول ومحايد في تقريب وجهات النظر الليبية.
يرى محللون أن تونس تمتلك مقومات موضوعية تمكّنها من النجاح في هذا الدور. فالعلاقات التاريخية المتشابكة بين الشعبين الليبي والتونسي، فضلًا عن وجود جالية ليبية كبيرة ومتنوعة داخل تونس، تمنح الأخيرة القدرة على استيعاب حساسيات الأطراف الليبية، وتهيئة مناخ أولي للحوار.
كما أن الحياد النسبي لتونس مقارنة ببعض دول الجوار، جعلها في موقع مقبول من عدة أطراف ليبية، خصوصًا أنها لم تُتهم بالتدخل في السيادة الليبية أو بفرض أجندات معينة.
رغم الإشادة المبدئية بالمبادرة، إلا أن محللين يعتبرون أن الواقع الليبي أشد تعقيدًا من أن يُحل عبر لقاءات رمزية. فالصراع بات متعدد الأوجه، يتداخل فيه السياسي بالأمني والجهوي بالقبلي، فضلًا عن تضارب الأجندات الدولية المتداخلة في الملف الليبي.
ويحذر بعض المراقبين من أن أي حوار لا يحظى بإرادة داخلية ليبية جامعة، وغطاء دولي جاد، سيظل حبرًا على ورق، مهما حسنت نواياه.
المبادرة التونسية تمثل محاولة جديدة لإعادة إحياء مسار سياسي بات مهددًا بانفجار أمني شامل، لكنها تصطدم بواقع داخلي متشظٍّ، وإرادات دولية متباينة. النجاح في جمع الفرقاء الليبيين تحت سقف الحوار يتطلب أكثر من مجرد إعلان نوايا، بل توافقًا محليًا وإقليميًا ودوليًا على أن ليبيا لم تعد تتحمل مزيدًا من الفوضى والانقسام.