خلص تقرير إلى أن موجة العنف الأخيرة في طرابلس أبرزت هشاشة النظام السياسي في ليبيا ما بعد ثورة 17 فبراير، مما زاد من زعزعة استقرار العاصمة، وطرح تحديات كبيرة أمام حكومة الوحدة الوطنية الموقتة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، متوقعا تداعيات أكثر عنفًا على المدى البعيد.
وأفاد تقرير لموقع crisis24 بأن مقتل قائد (جهاز دعم الاستقرار) عبدالغني الككلي أشعل اشتباكات متجددة بين الميليشيات المتنافسة في طرابلس، مشيرا إلى أن الفوضى في طرابلس أخيرا تكشف اعتماد ليبيا على الميليشيات، وضعف سلطة حكومة (الوحدة الوطنية الموقتة).
اندلعت أعمال العنف أواخر 12 مايو، وتصاعدت حدتها بسرعة عقب ورود أنباء عن مقتل الككلي. وبحلول 14 مايو، امتدت الاشتباكات بين قوة الردع واللواء 444 إلى أحياء متعددة، منها زاوية الدهماني وعين زارة، بالإضافة إلى محيط مكتب رئيس الوزراء، وفاقم الوضع هروب سجناء جنائيين من سجن الجديدة.
واعتبر التقرير أن هذه التطورات أثرت على البنية التحتية الحيوية لطرابلس، خاصةً مطار معيتيقة الدولي، الذي أوقف عملياته وحوّل رحلاته إلى مطار مصراتة، ما جعل المدينة تواجه مستقبلاً أمنياً واقتصادياً غامضاً.
بحسب التقرير، يمكن النظر إلى حالة عدم الاستقرار المستمرة في ليبيا من منظور حوكمة الميليشيات، معتبرا أن غياب حكومة مركزية قوية يجعل الميليشيات تتولى مسؤولية الأمن، بينما تسعى في الوقت نفسه إلى السيطرة على الموارد، وهي تداعيات تسلط الضوء على صراعات السلطة المستمرة داخل المشهد الميليشياوي في طرابلس، حيث تُعدّ القوة أداةً رئيسيةً للسيطرة السياسية والاقتصادية.
وتابع التقرير: هذه الأزمات غالبًا ما تدفع الجهات المتحالفة مع الدولة إلى محاولة فرض المركزية. مع ذلك، غالبًا ما تكون هذه المحاولات مدفوعة بدوافع البقاء على المدى القصير بدلًا من أهداف بناء الدولة على المدى الطويل، منوها بأن وضع هذه الميليشيات في ليبيا يُصعب تحقيق استقرار سياسي دائم. كما تُعقّد مصالح الميليشيات المتجذّرة عملية إصلاح الحكم.
التوقعات الأمنية في طرابلس
رصد التقرير ثلاثة توقعات للوضع الأمني في طرابلس على المديين القريب والبعيد، مع ما يترتب على ذلك من آثار. فعلي المدى القريب، يرجح أن تشهد طرابلس استمرارًا في عنف الميليشيات، حيث تواصل مجموعات مسلحة، مثل قوة الردع واللواء 444، التنافس على السيطرة.
ومع انخراط الميليشيات بقوة، يرجح التقرير أيضا أن تندلع مزيد المواجهات. كما أن الصعوبات التي تواجهها حكومة الوحدة الوطنية الموقتة ستؤدي إلى اعتمادها على الميليشيات في الأمن، مما سيزيد من نفوذها ويزعزع استقرار العاصمة.
أما على المدى البعيد، فيشير التقرير إلى أن فراغ السلطة الذي خلّفه مقتل الككلي وتصاعد الاشتباكات بين الميليشيات قد يؤديان إلى مزيد من تشرذم جهاز الأمن في طرابلس، مما قد يؤدي إلى ظهور فصائل جديدة تفرض سيطرتها على الأراضي.
ويرجح التقرير تصعيدا على نحو أوسع، ففي حين أن طرابلس لا تزال بؤرةً للاشتباكات بين الميليشيات، فإن احتمال امتداد العنف إلى خارج العاصمة يظل خطرًا محدقًا، لافتا إلى أنه إذا امتد الصراع إلى مناطق أخرى، فقد يتصاعد إلى حرب أهلية أوسع نطاقًا، تجتذب أطرافًا خارجية، وتؤدي إلى مزيد التشرذم.
إلى ذلك، يقول التقرير إن أعمال العنف الأخيرة في طرابلس تُبرز هشاشة النظام السياسي الليبي، وعجز الدولة عن ترسيخ سلطتها، لافتا إلى أن مقتل الككلي والاشتباكات اللاحقة يعكسان التحديات المستمرة التي تواجه حوكمة الميليشيات، وصعوبة الانتقال من مجتمع ما بعد الصراع إلى دولة مستقرة.
وتابع: بينما قد تسعى حكومة الوحدة الوطنية إلى مركزية السلطة على المدى القصير، فإن مسارها على المدى الطويل سيعتمد على قدرتها على معالجة الأسباب الجذرية لهيمنة الميليشيات، بالإضافة إلى تنفيذ إصلاحات أمنية حاسمة، وبناء الشرعية المؤسسية.
وبالنظر إلى المستقبل، يذكّر التقرير بأن مستقبل غرب ليبيا سيعتمد على قدرة حكومة (الوحدة الوطنية الموقتة) على إدارة الأزمة الأمنية الراهنة، وتمهيد الطريق لبناء هياكل حوكمة أقوى، معتبرا أن ذلك يتطلب جهودًا متواصلة لإضفاء طابع احترافي على قوات الأمن، ودمج الميليشيات في إطار أمني رسمي، ومعالجة أسباب التشرذم، ومنوها بأنه من دون هذه الإصلاحات، ستظل ليبيا عرضة لمزيد من عدم الاستقرار.