ليبيا 24
هذا مقال يهدف إلى قراءة في دور المواطن الليبي في بناء ليبيا، إذا ما فهمنا بأن المجتمع الليبي يعاني من أفكار ومعتقدات ورواسب وسلوكيات وانعدام الوعي بالثقافة ودورها في بناء الفرد والأسرة ودورها في التنشئة، ودور شرائح المجتمع من أجل اكتساب المواطنة والانتماء الحقيقي، وما مدى توفر الإمكانيات والمتطلبات التي تساهم في ذلك:
توفير احتياجات الأسرة من حياة كريمة، مستوى دخل قوي، عملية تعليمية نموذجية تواكب تطورات الحياة، وسائل دعم الشباب وأماكن للترفيه والأنشطة الشبابية من خلال كافة الإمكانيات، فرص عمل تناسب قدراتهم، مجالات العمل الحرفي والمهني وفي بقية المؤسسات، تشجيع العطاء والإبداع، توفير بنية تحتية وإنجازات متواصلة، واستثمارات من أجل منح المواطن الثقة في وطنه ليعتز ويفتخر به.
ما مدى تحقيق ذلك واقعياً:
علينا تحديد المسؤوليات:
دور الدولة
ليبيا دولة استقلت في عام 1951 وسبقت دول المنطقة العربية. وضعت دستورها وخطط تنموية في ظل نقص الإمكانيات والدولة فقيرة، لكنها كانت مجبرة على ذلك من أجل بناء الإنسان.
وضعت نظام تعليم في مختلف المراحل على الرغم من الفقر والجهل وتشتت المجتمع:
أسست جامعتي طرابلس للعلوم التطبيقية وجامعة بنغازي للعلوم الإنسانية.
اكتشف النفط في عام 1963.
كانت ليبيا في ظل التواجد الأجنبي، ذات بنية تحتية في طرابلس وبنغازي وسبها، وكانت مزدهرة في التجارة والصناعة والزراعة، وحققت إنجازات ومشاريع في الرياضة.
حققت ليبيا مشاريع ما بعد عهد المملكة، وتم تنفيذ خططها في السبعينيات والثمانينيات، حيث شهدت ظفرة نفطية ودخل قوي. توقفت التنمية البشرية والاقتصادية أو وجدت لكنها لم تكن منظمة بما يحققها بشكل شامل.
التساؤلات:
هل أدت الدولة دورها المنوط بها في توظيف عوائد النفط والاستقرار لتحقيق تنمية شاملة مقارنة بالدول المجاورة والدول الخليجية، وحتى مثل ماليزيا وسنغافورة التي سبقتها ليبيا سنوات؟
كيف تطور الإنسان في تلك الدول ولم يتطور الليبي، هل الإنسان في تلك الدول أفضل من الإنسان الليبي؟
هل إمكانياتهم أفضل من ليبيا علماً بأن ليبيا أغنى من تلك الدول وكنا متقدمين عنهم؟
هل تقدموا المواطنون بأنفسهم أو من خلال قيادات كمثل الشيخ زايد ومهاتير محمد والحبيب بورقيبة؟
ما هو دور الوضع القبلي والمناطقي في ليبيا في التأخر، أليست الأردن دولة قبائلية ومقدمة عنا بدون إمكانيات كالتي عندنا؟
ألم تكن مدارسنا تعاني من انحدار المستوى التعليمي، وإلغاء مادة التربية ومادة التربية القومية واللغة الإنجليزية والفرنسية، في حين كانت مدارسنا حتى نهاية السبعينيات أفضل من السنوات التي تلتها؟
ألم يكن المعلم يعاني من قلة المرتب، مما جعله يعطي دروس خصوصية، ويفكر في أمور حياته اليومية؟
التعليم العالي
بعدما كانت الجامعات الليبية سباقة عن الجامعات العربية وحتى عام 1976، تراجعت في إدارتها حيث أصبح الطالب يجلس مع عميد الجامعة ويقرر الميزانية بدل الاهتمام بشؤونه الطلابية.
مما لا شك فيه بأن هناك أساتذة متميزون وطلاب متفوقون انتشروا في جامعات العالم، لكن علينا تقييم تداعيات ذلك على المجتمع ،ونسأل ماذا عن دور الجامعة في خدمة قضايا المجتمع في ظل ما تعانيه من أزمات اجتماعية سياسية واقتصادية.
ومنذ 14 عام تعاني الجامعات والمراكز البحثية، من اختيار الوزراء وادارتها ورئاستها، مما انعكس على أدائها التعليمي والبحثي، وعلى الايفاد للخارج حيث معاناة الطلاب والواسطة والمحسوبية ، زاد التوسع في الجامعات بدون إمكانيات، وبذلك يمكن القول، بأن التعليم العالي لم يشهد استقرارا من اجل الاستفادة من تراكم خبرتها في بناء المجتمع ومؤسساته بالشكل المطلوب، وهذا لا يعني من وجود إيجابيات كثيرة، من خريجين ساهموا في سوق العمل وعملية التنمية في ليبيا وخارجها!.
ولا ننسى أن نذكر بأن جامعة بنغازي تعرضت للتدمير من طرف الإرهاب أثناء حرب الجيش الليبي، وقد إعادة القيادة العامة للجيش، إعمار الجامعة على أحدث طراز ، لتعود لأداء دورها الفاعلة في التعليم!.
أحداث 2011
هل يعقل أن يخرج الليبيون ويلتحقوا ويطالبوا بالتغيير والإصلاح إذا كانوا يعيشون في بحبوحة، ليجنوا على أنفسهم ويعرضوا أنفسهم للمخاطر، وأهمها التدخل الأجنبي، مع رفض الكثيرين للتدخل؟ ولماذا يرضى الليبيون الانقسام والخلافات والاقتتال وحمل السلاح على بعضهم؟
هل يعقل أن يحدث الانتقام والقتل والتهجير وتصفية الحسابات، بتحريض من أطراف ادعت الثقافة والديمقراطية، مع ضعف الوعي والثقافة المجتمعية، وأين المؤسسات الأمنية التي انهارت مع النظام؟
السؤال: لماذا لم يحدث ما حدث في ليبيا في مصر أو تونس، بل حافظوا على مؤسساتهم، مع وجود أعمال نهب وسرقة، ولكن المؤسسة الأمنية كانت موجودة؟
لماذا شعب رواندا، الذي يتكون من أعراق واثنيات وقبائل، تنازل لبعضهم وعقدوا مصالحة لتصبح رواندا من أجمل دول أفريقيا وتسير نحو التطور، بينما فشلنا طيلة 14 سنة في المصالحة والتنازل لبعضنا؟
كيف يقوم بعض المناطق بالاستحواذ على سلاح الدولة وتهديد الأمنيين، ويتحدثون عن الثورة والتغيير والتخلص من الظلم والدكتاتورية، ويتبجحون على شركائهم في الوطن بأنهم دفعوا الثمن ويريدون أن يحكموهم؟
وهذا مع وجود عادات وتقاليد وعلاقات قربى، وما حدث في بعضنا ليس له مبرر سوى الإقصاء، وينم على الجهل العميق، وخاصة من بعض النخب والمثقفين. أين مصلحة الوطن والتنازل والتسامح؟
ماذا قال عنّا المبعوثون مثل طارق متري وغسان سلامة؟
انظروا إلى وسائل الإعلام والتواصل التي انتشرت بشكل كبير لدرجة الفوضى، وبعضها مدعوم من دول إقليمية وتمارس خطابات تضليل وفتن، ناهيك عن وسائل التواصل الاجتماعي التي تمتلئ بالمهرجانات والمنشورات.
هل يعقل أن نبقي نسأل بعضنا حول أنظمة زائلة ونورط أنفسنا في أشياء ليس لنا فيها طرف، وهذا يؤكد الجهل بمعنى الوطن والانتماء؟
لماذا تركنا أطرافاً معينة تفسد الانتخابات في 2012 وتكرار المحاولة في انتخابات البرلمان 2014؟ ولماذا التسابق على الانتخابات بطريقة تعصب قبلي وجهوي، وقد جربنا مرات عدة؟
لماذا العزوف عن التسجيل كرد على رفضها وغضبنا من التجارب السابقة؟
انظروا إلى شوراعنا، كم تحتوي على قناني مياه الشرب والأكواب والقمامة، ولا تعرف أهميتها في إعادة التدوير وتوفير فرص العمل. ألا نلحظ الأجانب أو العمالة الأجنبية التي تستفيد من فرص العمل المتوفرة عندنا؟ وقد أصبح الأجانب أغنياء ويسيطرون على الاقتصاد بدعم من الليبيين، ونحن نبحث عن توظيف الدولة في الملاكات التي ملأتها الحكومة لتسبب عزز في دفع المرتبات، وهو تشجيع على البطالة.
ألا ننظر إلى الأجانب الذين امتلأت بهم المدن بدون إجراءات، حيث يأتي بهم ليبيون مقابل الحصول على المال، ولاندري ما هدفهم من القدوم إلى ليبيا، ونكترى لهم البيوت ونشغلهم في بيوتنا بدون إجراءات أمنية أو صحية، ولم نستفد من الكوارث والإجرام الذي وقع.
من أين حصلوا على أرقام وطنية، وهل يعقل أن يفعل ضعاف النفوس ذلك، وبخاطر ذلك؟ وكيف سنتعامل مع هذه الأعداد أو الأسراب التي يفوق عددها الليبيين؟
الأوضاع الأمنية
لقد كان الجنوب، الذي يمثل نصف مساحة ليبيا، منتهكاً من خلال حدودنا مع خمسة دول أفريقية، حيث التواجد الأجنبي الذي سيطر على مدن الجنوب وأقام البوابات وأخذ الاتاوات من الشاحنات والمواطنين، ويمارس أعمال الخطف والقتل بحق الليبيين.
ولكن القوات المسلحة الليبية استطاعت في زمن قياسي السيطرة على الجنوب وتأمين ثروات الليبيين، ووصلت إلى وسط البلاد حتى مدينة سرت، وبذلك تسيطر على مساحة مهمة واستراتيجية من ليبيا، بل بدأت مسيرة التنمية والأعمار في شرق البلاد وصولاً إلى الجنوب ووسط البلاد.
وهذا ما لقي كل الدعم والترحاب من كل الليبيين الشرفاء، أصحاب المصلحة الحقيقية في ليبيا.
نحو مشروع وطني جامع
إعادة بناء ليبيا تتطلب تضافر جهود الجميع:
الدولة: بناء مؤسسات قوية وعادلة قادرة على تقديم الخدمات وتحقيق العدالة
المواطنة والانتماء في ليبيا اليوم في أزمة حقيقية، صنعتها أيدينا جزئيًا، لكن الأمل ما زال قائمًا. الشعوب التي مرت بمحن أعظم استطاعت النهوض حين آمنت أن الوطن ملك للجميع، وليس غنيمة يتقاسمها المتصارعون. بناء الدولة يبدأ من الإنسان الواعي، والإنسان لا يبنى إلا على أساس المواطنة الحقيقية والالتزام بالواجبات والحقوق.
وعلينا أن نقتنع بأن أسباب ازمتنا الليبية منذ 50 عاما ، هو غياب الإنسان الذي يساهم في عملية البناء، وبكل تأكيد أن بداية الحل هو الاقتناع بأن الأفكار والرواسب التي ترسخت في عقولنا تحتاج منا التخلي عنها فالوطن موجود ونحن الغائبين!
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا