alaraby – لا تزال العاصمة الليبية طرابلس تعيش منذ نحو أسبوع توتراً وتصعيداً أمنياً كبيراً، فيما لا تزال السلطات فيها، المجلس الرئاسي والحكومة، تلتزم الصمت حيال ما تشهده المدينة. وعلى الرغم من تراجع مظاهر توافد الأرتال العسكرية من خارج طرابلس منذ نحو ثلاثة أيام، إلا أن حركة تنقلات المركبات العسكرية داخل أحياء المدينة، لا سيما في جنوبها الشرقي، لا تزال نشطة خلال الليل.
وفي تقاطع الطرقات الرئيسية وسط العاصمة لا تزال مركبات قوة فض النزاع، التابعة لرئاسة الأركان العامة، تنتشر في نقاط التماس بين مواقع قوات وزارتي الدفاع والداخلية بالحكومة، ومواقع جهاز الردع، لا سيما في أحياء زاوية الدهماني وباب بن غشير، وعين زارة والسراج. ويأتي استمرار التوتر في ظل مفاوضات مكثفة تسير بشكل بطيء بين حكومة الوحدة الوطنية وممثلي جهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي، دون أن تحقق تقدماً ملموساً نحو تخفيف حدة التوتر أو منع اندلاع مواجهات مسلحة، وفقاً لمصادر ليبية مطلعة.
وكانت ذات المصادر، وهي حكومية وأخرى مقربة من المجلس الرئاسي، قد أفادت في تصريحات سابقة لـ”العربي الجديد”، بأن جهاز الردع وافق مبدئياً على تسليم سجن معيتيقة لمكتب النائب العام، لكن المفاوضات لم تنته إلى شيء بشأن مطالب الحكومة بتسليم الجهاز لمطار معيتيقة وميناء المدينة اللذين يسيطر عليهما، حيث يحتفظ الجهاز بتحفظات واضحة تجاه هذه الشروط التي طلب تعميمها على كل التشكيلات المسلحة في العاصمة لتسلم ما تحت سيطرتها من مقار ومؤسسات تابعة للدولة.
ويأتي هذا التعثر في المفاوضات، بعد أيام من نجاح اجتماع ضم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، السبت الماضي، بحضور قيادات عسكرية، حيث اتفقا على خطوط عريضة لتهدئة الأوضاع وهيكلة التشكيلات المسلحة في العاصمة، وفقاً للقوانين الليبية والمعايير الدولية.
وكانت البعثة الأممية في ليبيا، التي أعلنت انخراطها في المفاوضات بطرابلس، قد أعربت عن إشادتها، في بيان، السبت الماضي، بالتقدم المحرز في المفاوضات، لكنها عادت وأصدرت بياناً آخر، أول أمس الاثنين، حذرت فيه من خطورة الاستمرار في التصعيد العسكري حول العاصمة، داعية جميع الأطراف إلى وقف أي تحركات عسكرية قد تعرض المدنيين للخطر. وعبرت عن قلقها البالغ من استمرار التعبئة العسكرية التي قد تقود إلى مواجهات مسلحة لن تهدد أمن طرابلس فقط بل قد تمتد إلى مناطق أخرى، وفق البعثة.
وفي خضم هذا التوتر، لا يزال التكتم يسود تفاصيل المفاوضات في المواقف الرسمية للسلطات في طرابلس، إذ لم يصدر عن المجلس الرئاسي والحكومة أي بيان يوضح حقيقة ما تشهده العاصمة، بينما تنشط منصات إخبارية غير رسمية مقربة من الأطراف المتصارعة في بث أخبار تزيد من حدة التصعيد، منها نشر مقاطع فيديو قديمة لاشتباكات مسلحة أو ادعاءات بتعزيزات عسكرية، وآخرها أخبار عن هجوم إرهابي استهدف أحد مقرات اللواء 444 التابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، أمس الثلاثاء. فيما أكد ناجي بوسيف، الضابط في إدارة مديرات الأمن بوزارة الداخلية، أن المقر لم يلحق به أي أذى بسبب احتراق سيارة أمامه. وأوضح بوسيف لـ”العربي الجديد” أنّ التحقيقات لم تسفر عن تحديد أسباب احتراق السيارة، وما إذا كان الحادث على صلة بعمل إرهابي.
ومنذ بداية التحشيد العسكري، الخميس الماضي، يعيش سكان طرابلس على وقع احتقان وتوتر أمني شديدين، وسط تزايد الأنباء عن تحرك محتمل لقوات الحكومة نحو قاعدة معيتيقة شمالي المدينة، المعقل الرئيسي لجهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي. وفي غضون هذه التحشيدات أصدر أهالي تاجوراء بياناً رفضوا فيه أن تكون منطقتهم ممراً للقوات المسلحة، محذرين من أن تمركز أي قوة بينهم يعد اعتداء على السكان، في حين أصدر أهالي سوق الجمعة بياناً أعلنوا فيه تضامنهم مع تاجوراء ورفضوا إشعال فتيل الحرب في العاصمة، داعين البعثة الأممية إلى التدخل وإيجاد حلول عاجلة تحول دون انزلاق المدينة نحو مواجهة مسلحة جديدة.
وتنطلق الحكومة في موقفها ضد جهاز الردع من مشروعها الذي سبق وأن أعلنته منتصف مايو/ أيار الماضي تحت شعار “استعادة سلطات الدولة”، والذي تهدف من خلاله إلى إخضاع جميع التشكيلات المسلحة في العاصمة طرابلس لسلطتها المباشرة وضمان تسليم المؤسسات الحيوية للدولة، بما فيها المطار والميناء وسجن معيتيقة، ما جعل جهاز الردع، الذي يسيطر على هذه المؤسسات بمعزل عن الحكومة، في قلب الخلاف معها، بسبب تحفظاته على التخلي عن هذه المؤسسات التي تشكل أوراق قوته الاستراتيجية.
وتعود جذور التوتر الراهن إلى مواجهات مسلحة اندلعت منتصف مايو/ أيار الماضي بين قوات الحكومة وقوة جهاز الردع، بعد يوم من تمكن قوات الحكومة من الإطاحة بجهاز دعم الاستقرار في منطقة أبوسليم وسط العاصمة، إلا أن المواجهة مع “الردع” لم تنته بالحسم لصالح الحكومة، التي أعلنت بعد ساعات من القتال عن وقف إطلاق النار، في حين واصل الدبيبة توجيه اتهامات لجهاز الردع، واصفاً إياه بـ”المليشيا الخارجة عن القانون” و”دولة داخل الدولة”، مؤكداً ضرورة حلها لاستعادة الدولة سيادتها على مؤسساتها الاستراتيجية.
ويعد جهاز الردع ثاني أكبر قوة مسلحة في العاصمة، إلى جانب قوة جهاز دعم الاستقرار السابقة، ويشرف وفق الصلاحيات المعلنة على تنفيذ الأحكام القضائية وإجراءات الاعتقال في السجون الخاضعة له، لكن تقارير خبراء الأمم المتحدة كشفت عن ممارسته لانتهاكات واسعة بحق السجناء داخل معاقله. كما صدرت مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق قائد قوة الشرطة القضائية التابعة للجهاز، أسامة نجيم، في يناير/ كانون الثاني الماضي، بتهم تتعلق بانتهاكات واسعة في السجون. وبالإضافة لقوة الردع تعمل في العاصمة العديد من القوى المسلحة، أبرزها تلك التي تتبع وزارتي الداخلية والدفاع بالحكومة، مثل اللواء 444 واللواء 111 التابعين لوزارة الدفاع، وقوة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية.