قال المحامي والباحث السياسي فيصل الشريف إن التوترات العسكرية والأمنية التي تشهدها العاصمة طرابلس ناتجة عن تعنت جهاز الردع عن تسليم العديد من المقار والمؤسسات الحيوية التي تتبع وزارات سيادية، مثل مطار معيتيقة والسجن المركزي، مشيراً إلى أن هذا التعنت خلق خلافات كبيرة مع الحكومة، وأن المجلس الرئاسي يحاول التوسط ومنع اندلاع اشتباكات مسلحة قد يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء، موضحاً أن الردع متهم بممارسات غير إنسانية داخل سجن معيتيقة، من خلال التقارير الدولية التي كان آخرها تقرير محكمة الجنايات الدولية، حيث اعتبر أسامة نجيم المطلوب من المحكمة جزءاً من هذه الانتهاكات ويحتمي بجهاز الردع.
وأشار الشريف إلى أن الجهاز كان يمكن أن يؤدي دوراً إيجابياً ضمن المنظومة الأمنية، شريطة ألا يغتصب مقرات ومواقع تابعة للدولة، مؤكداً أن احترام سيادة المؤسسات هو أساس دولة المؤسسات في البلاد.
وأضاف الشريف أن الوضع الحالي في طرابلس يعكس صراعاً بين الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً وجهاز أمني مسلح، مشدداً على أن أي مجموعة مسلحة أو جهاز أمني يجب أن يذعن للحكومة مهما كان رئيسها، سواء الدبيبة أو فائز السراج، مبيناً أن دعم الحكومة والمجلس الرئاسي لا يعتمد على شرعية شعبية فحسب، بل على الاعتراف الدولي الذي يشكّل الأساس لاستقرار الدولة حتى يتمكن الشعب من اختيار قيادته من خلال صناديق الاقتراع.
وأشار الشريف إلى أن حديث البعض عن حشد الدبيبة لقبائل مصراتة لا يعكس الواقع، مؤكداً أن المدينة تتعامل كمجتمع مدني، وأن المجموعات المسلحة التي تتحرك نحو طرابلس ليست جيشاً منظماً، بل مجموعات مسلحة منتشرة في مدن مختلفة في الغرب والشرق، وتخضع في بعض الحالات لقيادات معينة، لكن ليس لها إطار مؤسسي موحد مثل الجيش الوطني، وفق قوله.
وأكد الشريف أن الهدف من هذه التحركات يجب أن يكون تأسيس جيش حقيقي يوحد الشرق والغرب والجنوب، ليصبح لدى ليبيا قوة عسكرية منظمة يمكن الاعتماد عليها في حماية الدولة ومؤسساتها، والحد من الصراعات المسلحة داخل العاصمة وغيرها من المدن.
وعبرّ الباحث القانوني عن تفاؤله حيال التطورات الأخيرة، مشيراً إلى أن السيناريو الأقرب يتمثل في وصول الحكومة والمجلس الرئاسي إلى تفاهمات تقلص خطر الحرب في العاصمة، وتجعل جهاز الردع يذعن للمطالب الشرعية ويتخلى عن المواقع التي يشغلها دون وجه حق، مؤكداً أن الردع تم تأسيسه بقرار من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ولم يُمنح حق السيطرة على المنشآت المدنية، وأن ما يقوم به حالياً يمثل اغتصاباً لهذه المرافق.
وتابع الشريف أن الحديث عن ملفات الفساد في ليبيا واسع ومعقد، حيث يمتد إلى حكومات ما قبل ثورة فبراير، ولا يمكن اختزاله في جهة واحدة.
وأكد الشريف في حديثه لقناة فرانس 24، ورصدته “الساعة 24” أن النقاش يجب أن يقوم على المنطق والعدل، مشدداً على أن المؤسسات الليبية يجب أن تبقى تحت سلطة الحكومة الشرعية، وأن جهاز الردع لا يحق له السيطرة على هذه المنشآت لأنها ليست من ضمن اختصاصاته أو إنشائه.
وتساءل الشريف عن توقيت تصرفات جهاز الردع، مستنكراً لماذا لم يتم التحرك منذ البداية، ولفت إلى أن الحديث عن الشرعية ينطبق على الجميع في ليبيا، وليس على جهة واحدة فقط، موضحاً ألا توجد جهة أو جسم واحد في ليبيا يتمتع بالشرعية المطلقة، وبالتالي يجب الالتزام بالقوانين والسلطات الرسمية لتجنب أي تفاقم للأزمات.
وختم الشريف بأن المطلوب من جهاز الردع أن يتخلى عن الانتهاكات والفظائع، ويعود لممارسة دوره الإيجابي في حماية الدولة ومؤسساتها، مؤكداً أنه يتمنى بقاء الجهاز لكن وفقاً للمطالبات الشرعية والقانونية فقط، وفق قوله.