الشأن العام هو المسئولية المجتمعية والسياسية المشتركة واحساس مشترك داخل كل أبناء الأمة المصرية.. فهو ليس على الشيوع بل هو متجسد في الإطار والمضمون والمسارات التاريخية لأداة أحادية لها فاعليتها لمصدر ثابت يهدف إلى التعامل مع الطبيعة البشرية المُحكمة الأطراف.. والتغيير الناضج الذي يراه المجتمع لتراكمات ورواسب تجمدت وهُمِلت وسط غياب شكل سحابة مظلمة جعلتنا نتخبط ونسير بحاسة الرشاد إلى طريق النور.
مناخ غير مسبوق لأحداث متتالية شهدتها الدولة المصرية منذ فجر التاريخ من رجال كانوا هم عماد الأنظمة السياسية في الدولة بمثابة “رجال السلطة والسلطان” ولهم كل النفوذ والرؤى.. وشتان بين نبي الله “يوسف عليه السلام” وهامان وزير فرعون فكلاهما كانا الرجل الثاني في الدولة.. فـ”يوسف عليه السلام” كان نجاة لأهل مصر.. أما هامان فكان يُزين لفرعون سوء عمله.. وكان في الأولى النجاة وفي الثانية الهلاك..
ومع مرور التاريخ وعبر الأزمنة كان الحجاج بن يوسف الثقفي هو اليد الباطشة للدولة الأموية والرجل الثاني فيها وله ما له وعليه ما عليه.. ولم يسلم الإمام أبي حنيفة من بطش أحد رجال الدولة العباسية وهو الوزير يحيى ابن هبيرة.. والإمام مالك من ظُلم جعفر ابن سليمان فكلاهما دخلا السجن ووشايتهم للخلفاء العباسيين.. أما في الدولة العلوية كان مصطفى كامل هو المقرب للخديوي عباس والذي ساهم في مواجهة الإحتلال الإنجليزي داخليًا وخارجيًا.. ورجال ثورة يوليو الذين حملوا لواء البطولة في مواجهة الفساد في النظام الملكي والإقطاع.. وتدشين الإشتراكية والعمل على دستور العقد الإجتماعي الجديد والميثاق الغليظ على يد الزعيم جمال عبد الناصر وتدشين مسارات الحياة للإرادة الشعبية للأمة.
مناخ لأحداث عديدة جعلت المؤشرات تندفع بقوة داخل الحقبة الناصرية الجديدة من التغيير والطبيعة وآلية العمل الدولي والعربي والمشكلات القومية التي دافع عنها ناصر وبكل بسالة.. والتي كتب عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل.. فقد كان مفتاح السر وخزانة الرئيس وحساباته والمُقرب له.. فقد كان يسرد الأستاذ هيكل بكل شوق ولهفة من المنظور المهني والمتميز.
ولكن تلك الحقبة شهدت لحظة تاريخية واجهت الأمة العربية عامة والمصرية خاصة في “5 حزيران-يونيو” عام 1967م ودخلت هذه اللحظة لتواجه تحديات جسيمة ورسالات عظيمة وتشكيل سياسة جديدة لها ثوابتها ورؤيتها الجديدة التي فهمت ووعيت لتلك المفردات من سيطرة رجال السلطة الذين تسببوا في النكسة وتفرغوا للمعارك السياسية وفشل التخطيط والتنبؤ المطلوب.. فقد سرد الكاتب الكبير جلال الدين الحمامصي في كتابه “حوار خلف الأسوار” عن رجال السلطة وسطوتهم على الدولة وتحييد الرئيس، وتم تحويل الكتاب سينمائيًا في رائعة “احنا بتوع الاوتوبيس” للرائعين عبد المنعم مدبولي وعادل إمام.
إن تلك اللحظة الفارقة كانت بمثابة صحوة خالدة لمواجهة التنابذ والسيطرة الصماء في السلطة والتي تحملها الرئيس عبد الناصر وحده وفهمها وأيدها الشعب المصري.. وأكد على ضرورة النجاة لا السكون وإن السفينة لابد وأن تجري داخل البحر لا على اليابسة.
ورفض الشعب المصري حكم “العشيرة” وسطوة رجال السلطة في حكم الإخوان المسلمون وإن صناعة القرار ليست في مقر الحكم.. وخرج في ثورة 30 يونيو رافضًا نظام “بيت الطاعة” وخرج من المأزق إلى العقد الإجتماعي التي عملت عليه القيادة السياسية في المشاركة المجتمعية والفعالة للمنهج الحديث والإختيار الفعال للكوادر القيادية طبقًا للمواصفات الديناميكية بمنظور الثورة.
المواقف تتغير وتتبدل بكل أبعادها ومفرداتها المجتمعية.. وعلينا السير على فلسفة جديدة تعمل على تغيير ناضج للأزمات التي تراكمت وسط الضباب ومعرفة المسئولية الوطنية من خلال سياسة قوية ورشيدة.