صدر مؤخرًا عدد شهر أكتوبر لعام 2023 من مجلة الثقافة الجديدة، برئاسة تحرير الكاتب الصحفي طارق الطاهر، وقد خصصت المجلة العدد للاحتفاء بعميد الأدب العربي طه حسين في خمسينية رحيله، حيث رحل الكاتب والمفكر الكبير عن عالمنا في يوم 28 أكتوبر من العام 1973.
افتتح رئيس التحرير هذا العدد الخاص بكلمات تحمل عنوان: «الملهم»، مشيرًا إلى خصال طه حسين الذي وُصف من قبل الكثيرين بالمفكر تارة، والأديب تارة، والأستاذ الجامعي تارة أخرى. كان حسين له دورًا بارزًا في تاريخ الثقافة المصرية على مدار ما يربو عن قرن من الزمن.
وتتنوع محتويات العدد المخصص لحسين بين الدراسات، والشهادات، والملفات؛ حيث شارك به باقة من الكُتاب المصريين والعرب، منهم كتاب من المغرب والأردن والعراق.
وكتب إيهاب الملاح الناقد المصري، والصحفي، والباحث في التراث والتاريخ الثقافي بورتريهًا لحسين يحمل عنوان: «مشروع للنهضة المصرية.. البحث ما زال مستمرًا!»، يشير فيه إلى أهم المحطات في حياة عميد الأدب العربي، بداية من فترة دراسته في الأزهر، إلى الجامعة المصرية، ودراسته بالسوربون، بالإضافة إلى أهم إنتاجاته الفكرية.
وحمل الباب الأول من العدد عنوان: «دراسات». حيث نشر فيه دراسة للأكاديمي والناقد المغربي محمد مشبال تحت عنوان: «كيف نتحدث عن الأدب؟ طه حسين وبلاغة التواصل النقدي»، يسلط فيها مشبال الضوء على إدراك حسين مبكرًا لأن الممارسات النقدية في الأدب تحكمها إغراءات الحضارة الإنسانية الحديثة من خلال الإقبال على كل ما هو قريب، وسهل، والبعد عما يعتبر بعيدًا يدفع إلى بذ المجهود.
أما دراسة سامي سليمان أحمد – الكاتب، والناقد مصري، وأستاذ النقد والأدب العربى الحديث- فقد حملت عنوان: «تعدد الأصوات في خطابه النقدي: قراءة أبي العلاء نموذجًا»، متخذة من ثلاثة كتب أختص فيها طه حسين بالمعري مجالًا لتجريب فرضياته المنهجية. الكتب الثلاثة هي: “تجديد ذكرى أبي العلاء”، و”مع أبي العلاء في سجنه”، و”صوت أبي العلاء”. وقد أكد كاتب الدراسة على أن حسين له قرائة خاصة، حيث يتملكه الشعورٌ الدائم بحضور المعري في العديد من المواقف التي قام بها حسين، أو تأثير المعري في عدة رؤى تبناها العميد في أوقات مختلفة.
كما نشر لجمال العسكري دراسة تحمل عنوان: «مدرسة دار العلوم»، يبحث فيها بالحقبة التي تحولت فيها مدرسة دار العلوم إلى كلية، ويسلط الضوء على دور طه حسين في ذلك التحول، بالإضافة إلى قضية المنهج التي تعتبر الأساس انشغال حسين، وبقية جيله من المجددين.
ويحتوي العدد كذلك على دراسة للأديبة والناقدة المصرية زينب العسال بعنوان: «الريادة في دعاء الكروان»، والتي تؤكد فيها على أن رواية دعاء الكروان لحسين قامت على الزمن النفسي الداخلي المكتنز، حتى يكون متسقًا مع الحالة النفسية لبطلة الرواية آمنة.
أما آخر الدراسات فقد كانت دراسة دكتور الأدب شعيب خلف التي تحمل عنوان «الهوية والحوار بين طه حسين وعبدالرحمن بدوي»، يسرد فيها خلف طبيعة علاقة حسين بأحد تلاميذه – أي عبدالرحمن بدوي- بوصفها نموذجًا مبينًا للآلية التي تعامل بها العميد مع تلاميذه، بالإضافة إلى نظرة حسين للتراث التي تتسم بالاعتدال الواضح؛ حيث أخذ منه ما ناسب عصره، ورفع من شأنه، وقيم حضارته، وجعله أساسًا يتكئ عليه.
أما في ملف العدد الرئيسي فقد ناقش رئيس تحرير المجلة طارق الطاهر تفاصيل جديدة في المعركة الناشبة حول كتاب «في الشعر الجاهلي»، مظهرًا استمرار هذه المعركة فيما بعد عام 1927. ويروي الطاهر ويناقش أهم محطات المعركة، مع عرض آراء المفكرين والسياسيين في ذلك الموضوع. بالإضافة إلى مناقشة «في الشعر الجاهلي» في البرلمان، والبلاغات والقضايا التي رفعت من قبل المعارضون لفكر حسين الذي أنتج في هذا الكتاب. مع بيان مطالبة وزير المعارف مصادرة الكتاب من قبل الأزهريين، واستبعاد طه حسين عن الجامعة، ومحاكمته. كما تنشر مجتمعة عدة مستندات حول القضية لأول مرة.
وتنوعت الشهادات في باب الشهادات بين عامة –أي حول مجمل فكر حسين وإنتاجه الأدبي-، وخاصة – أي حول أعمال أو صفات بعينها اتصف بها العميد-. فقد كتب الروائي والمفكر المصري عمار على حسن شهادة تحمل عنوان: «نقاش مع أدونيس حول طه حسين وطريقة أخرى للتنوير»؛ يسرد فيها تفاصيل نقاشه حول طه حسين مع المفكر والشاعر السوري أدونيس، مؤكدًا على أن طه حسين لم يبدل فكره مطلقًا، فالمنهج المتبع في كتابه «في الشعر الجاهلي» لازمه في كل كتبه التي تدور حول الإسلام. مع التركيز على الثورة المنهجية التي أشعلها حسين، عن طريق فتح باب نزع القداسة عن الآراء والأشخاص الذين عاشوا في الماضي.
كما نشر للروائي والصحفي المصري سعد القرش شهادة تحت عنوان: «طه حسين بين حداثة منقوصة وفكر لا يجدده المستثمرون للتضليل» ترتبط بشهادة عمار على حسين، حيث يؤكد فيها على أن «في الشعر الجاهلي» ثورة في قراءة الشعر الجاهلي، وإعادة النظر في حياة العرب من أصحاب العلم والدين والثروة والسياسة. فكون الكتاب ظل صامدًا لمدة مئة عام ضد حملات التضليل والضلال ضده، والتي دفعت من أجلها أعمار وأموال المعارضين لفكر حسين.
وحملت شهادة عبدالسلام الشاذلي عنوان: «مرايا الذاكرة الحضارية»، مستعرضًا أيضًا علاقة حسين بتلاميذه، ومؤكدًا سبق العميد في الربط بين الحركة الأدبية المعاصرة وتاريخنا الأدبي. حيث أن الجهود التي تنهض بها الجامعات المصرية تعتبر نتيجة طبيعية لأصول البحث الأدبي التي قوتها محاضرات حسين، ومصنفاته، ومقالاته التي نشرها بين تلاميذه؛ فقد واجه العميد مجتمعه بشجاعة في الكثير من المجالات، وبقي نصيرًا للجديد الواعد في مختلف المجالات الثقافية.
بينما كتبت الكاتبة والباحثة المصرية نجاة علي عن: «أيقونة التمرد والوعي الضدي»؛ مستعرضة دراستها على أيدي أساتذة من تلاميذ طه حسين، والذين ينتسبون منهجيًا بدورهم إلى مدرسته العقلانية، ومنهم مثلًا: جابر عصفور، وعبدالمنعم تليمة، وفاطمة موسى. وفقد تعلمت نجاة علي دروسًا لا تنسى من كتب مواقف حسين الصارمة، وانحيازاته العلمية، والأخلاقية، والتي دفع ثمنها غاليًا بشجاعة وإخلاص كبيران لمبادئه.
كما نشر للشاعر والروائي المصري علاء خالد شهادة تحت عنوان: «كان أكثر مما توقعوا»، مؤكدًا فيها خالد على تأسيس حسين لنظرية وحدة الثقافة العالمية أو المتوسطية، وهذه العلاقة التي تربط بين المصريين والمسلمين من ناحية، وبين العالم من ناحية أخرى.
وكتبت الكاتبة والناقدة المصرية رضوى الأسود عن: «المرأة في حياته»، لتستعرض دور زوجة طه حسين سوزان في حياة العميد منذ لقاءهما الأول بباريس، إلى رحلتهما معًا وحتى نهاية علاقتهما بوفاته، حيث كانت سوزان معلمة حسين الأولى خلال طريقه إلى الحرية الفكرية الكاملة.
ويتضمن العدد تحقيقًا للطاهر يدور حول: «رسائل تلاميذ ومحبي العميد»، من الذين أصبحوا مع مرور الوقت رموزًا لمصر – متحملين عبء التنوير تمامًا كأستاذتهم طه حسين – من أمثال: الناقد د. محمد مندور، د. محمد عبدالهادي شعير، ود. محمد النويهي. خلال هذا التحقيق يتم رصد وضع مصر والمصريين على كافة الأصعدة، والرسائل التي يتم استعراضها ومناقشتها تعتبر تاريخًا مدونًا من قبل معاصرين حسين الذي صار بالنسبة لتلاميذه ومحبيه مؤسسة يلجئون إليها.
وتنوعت المقالات في باب المقالات بين: المقالات التي تدور حول قضية من قضايا طه حسين بعينها، والمقالات التي تناقش إنتاجاته الفكرية، والأدبية، والإبداعية إجمالًا. حيث نشر لإبراهيم منصور مقالًا يحمل عنوان: «الفنقلة: من الجدل السفسطائي إلى حرية الفكر»، ويدور حول لفظة «الفنقلة» التي ذكرها حسين في «الأيام»، مع بيان معنى اللفظة، والدلالات المرتبطة بها.
كما تضمنت المقالات مقالًا للكاتب الصحفى محمود الضبع تحت عنوان: «طه حسين وثقافة الاختزال»، يستعرض فيه قضايا، وإشكالات فكرية طرحها حسين منها :قضية كيف نفهم التاريخ؟، وإشكالية القديم والحديث في كل العصور العربية، وقضية الذوق الأدبي.
ونشر مقالًا للكاتب المصري محمد السيد إسماعيل يحمل عنوان: «حياة ثائرة مثيرة: لماذا استمرت “الأيام” كل هذه السنوات في مناهج التعليم؟»، مسلطًا فيه إسماعيل الضوء إلى كتاب الأيام الذي لا يخلو من التخييل، مما يحقق وظيفته الأدبية في الفصل بينها وبين المذاكرات السياسية المصرية لحسين هيكل. فالعمي تحول على يدي طه حسين لطاقة أطلقت خيال واسع، وفضول كبير نحو المعرفة.
أما الكاتب نبيل فرج فقد نشر له مقالًا بعنوان: «طه حسين وثورة 1952»؛ حيث وضعت الثورة حسين في أعلى المناصب، ومنح أرفع الجوائز، ليصبح أول الحاصلين على جائزة الدولة التقديرية في الآداب.
ونشر للكاتب والشاعر الأردني – الفلسطيني راشد عيسى مقالًا بعنوان: «حدائق متعددة في مزهرية واحدة»، يؤكد فيه على أن حسين يعتبر مؤسسة ثقافية شاملة، أو العديد من الأنهار الموضوعة في مزهرية واحدة، فقد تمكن من تجاوز محنة بصره، وتحويلها إلى منحة بصيرته الفذة الفائقة للمألوف.
وكتب الشاعر والناقد العراقي جاسم خلف إلياس مقالًا تحت عنوان: «طه حسين تنويرًا»، مبينًا كيف خلخلت كتابات حسين الاستقرار المعرفي في الثقافة العربية مبتعدة عن النقل المورث من العنعنات.
أما عبدالعزيز السباعي فقد كتب مقالًا تحت عنوان: «جناية العصر على طه حسين» المفكر الذي حظي بحياة فكرية وحزبية متلاطمة، مربوطة بالازدهار والنماء في بعض حقول الفكر والثقافة.
بينما دار مقال محمد خلف حول الأجزاء الثلاثة من كتاب «الفتنة الكبرى» الكتاب الذي اقتحم فيه حسين ميدانًا شائكًا مسلطًا الضوء على طريقًا مخضبًا بالدماء. ليصبح عنوان الكتاب مصطلحًا تاريخيًا معتمدًا في الدراسات العلمية، والأدبية التي تتناول تلك الحقبة من التاريخ العربي والإسلامي.
واختتم باب المقالات بمقال للقاصة والروائية إيمان أحمد يوسف جاء يحمل عنوان: «نور البصيرة يتجلى بفيوضه ورؤيته» تستعرض فيه إيمان الكيفية التي حوَّل بها حسين محنته إلى منحة إلهية مغيرة لحياته إلى الأبد.
وتضمن العدد باب الشاطئ الآخر، الذي نشر فيه مقالًا للكاتب المصري جمال المراغي يحمل عنوان: «زيديني يا سوزان» يؤكد فيه المراغي تجاوز سوزان طه حسين وظيفتها كقارئة إلى تحضيرها لكل جزء -من الأعمال التي ستقرأها – قبل قراءته لتكون مستعدة لمناقشة حسين فيه. كانت سوزان تستمتع برؤية حسين شديدة العمق، وفهمه لبواطن للأمور.
بينما نشر لرشا صالح استاذة الأدب المقارن والنقد الأدبى مقالًا تحت عنوان: «طه حسين والحوار الخلاق مع الثقافات الأوربية»؛ تستعرض فيه صالح كيف أرجع حسين الفضل في معرفة لتاريخ الأدب إلى كارلو نالينو، باللإضافة إلى معرفته لكيفية تصنيف المدارس الأدبية، ولعلاقات الأدب والسياسة من ناحية، وبين الأدب والبيئة من ناحية أخرى. امتدت علاقة حسين بالفرنسية إلى الجذور عن طريق أقباله على الثقافة اللاتينية التي تأسس الجذور العميقة للفرنسية.
كما تضمن العدد في باب الفن السابع – الباب الذي تناول أعمال طه حسين التي نقلت إلى الشاشة الكبيرة أو التليفيزيون- موضوعًا للناقد والأكاديمي المصري وليد الخشاب يحمل عنوان: «سينما طه حسين: الميلودراما.. الواقعية.. القيمة الفنية»، يؤكد فيه الخشاب على كون العنصر الذي يجمع بين قصص حسين التي نقلت إلى السينما هو النوع الفني، لأن كلها قصصًا رومانسية تحمل ملامحًا الميلودرامية. وقد أحتفي بشكل خاص برواية «دعاء الكروان»، وقد زاد هذا الاحتفاء قيمة الفيلم المأخوذ عنها، لكونه فيلمًا واقعيًا.
وكتبت الكاتبة والناقدة السينمائية المصرية ناهد صلاح عن:«العميد على الشاشة: حضور إنساني.. صراع وجودي.. اشتباك مع الغرب»، مناقشة لعلاقة حسين بالسينما والتليفزيون، وكيف اكتشف باريس كمدينة للسينما، مع التأكيد على أن العميد كان شديد التدقيق بكل التفاصيل المتعلقة بنقل رواياته إلى السينما أو التليفزيون. حيت كان يتردد على مواقع التصوير للتدقيق، ومتابعة التصور، وأداء الممثلين.
ويسرد أحمد كمالي في: «مصر في شهر العميد» الكثير عن الأخبار الصحفية الهامة المنشورة في أكتوبر من عام 1973 عقب رحيل طه حسين، مضيفًا عدة وثائق وأخبار صحفية نشرت وقتها.
وتضمن العدد باب بعنوان رحلة. نشر فيه دراسة للباحث محمود عبدالباري تهامي تحت عنوان: «طه حسين مجمعيًا»، يركز فيها تهامي على أهم المحطات في حياة حسين، والتي أهَّلته لعضوية المجمع، بالإضافة إلى صورة العضو بمجمع اللغة العربية في ذهن العميد، والذي رأى أن عضوية المجمع هدية وشرفًا غير عاديان، فبالنسبة له لم تكن مجرد وظيفة، فقد أصل طه حسين لآلية عمل المجمع، إلى ما يسير عليه المجمع إلى وقتنا هذا، باعتباره عمل صامت، لا يأتى بشهرة من وراءه، ولا يأتي بأجر عظيم؛ فالعمل المجمعي حتى الآن يعتبر عملًا جماعيًا.
ويضم العدد ببليوجرافيا عن طه حسين، يعرض بها أهم التواريخ في حياة العميد، ومؤلفاته الإبداعية، والنقدية، والفكرية، بالإضافة إلى ترجماته.
كما تزور المجلة متحف رامتان، أو القصر حيث عاش حسين، والذي أنقذه وبعد رحيله – من أن يلقى نفس مصير قصر يوسف وهبي- فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق. وتستعرض الزيارة كرم أسرة طه حسين التي لا تبخل على الدولة بإعطاءها كافة مقتنيات العميد، والأوسمة التي كرم بها طيلة حياته.
وأخيرًا يختتم العدد مقال للكاتب المصري محمد عبدالباسط عيد بعنوان: «دعوة العميد»، مشيرًا إلى الدعوة التي أكد عليها طه حسين بكل جهد لديه، أي دعوة «الروح العملية»، أو التفكير العلمي، بالإضافة إلى حرصه على استمالة الناس إلى كتاباته بكل الطرق.
