فيما يستعد منتخب ليبيا لكرة القدم لمواجهة حاسمة في مشوار تصفيات كأس أمم أفريقيا 2025، عكرت غيوم الإحباط صفو المعسكر التدريبي الأخير للمنتخب الوطني، الذي بات يتطلع إلى استكمال مهمته القارية وسط نقص ملحوظ في مشاركة اللاعبين المحترفين. وأثارت غيابات ملحوظة في صفوف اللاعبين المحترفين موجة من التساؤلات، ليجد المدرب ناصر الحضيري نفسه مضطرًا للرد، وخصوصًا بعد أن أبدى استياءً علنيًا تجاه موقف بعض اللاعبين المحترفين، الذين اختاروا الغياب عن المنتخب لأسباب تعلل معظمها بالارتباطات مع الأندية أو الإصابات المتكررة.
في مؤتمر صحفي تابعته “أخبار ليبيا 24″، أطلق الحضيري العنان لكلماته، معبّراً عن خيبة أمل تلامس قلوب مشجعي “فرسان المتوسط”. ووجه نقداً مباشراً لمن رفض الدعوة، قائلاً: “ليبيا فوق الجميع، ولن نستدعي من جديد من يرفض تمثيلها”، مستشهداً بنجوم كبار مثل محمد صلاح ورياض محرز، الذين يتسابقون لتمثيل أوطانهم رغم انشغالهم مع أندية عالمية. في هذا التصريح، سعى الحضيري لتذكير اللاعبين بقيمة وشرف تمثيل ليبيا، مبرزاً أهمية الولاء الوطني كقيمة يجب أن تتقدم على أي اعتبارات مادية أو شخصية.
رفض بعض اللاعبين المحترفين الانضمام إلى المنتخب بات يشكل ظاهرة ملحوظة، حتى أن بعضهم اتخذ قرار الاعتزال الدولي علنًا احتجاجًا على ظروف العمل، كما فعل المعتصم بالله المصراتي. وقد عبّر المصراتي عن صعوبة العمل ضمن أجواء يفتقر فيها المنتخب إلى الدعم المادي والتنظيمي، في حين أن غيابات أخرى لم تفسر بوضوح، ما يزيد من حالة التشويش في المشهد الرياضي الليبي.
غياب لاعبي الخبرة ممن لهم بصمة في المباريات الدولية ترك فجوة واسعة في تشكيل الفريق. ومع تزايد انسحاب المحترفين، أصبحت المسؤولية ملقاة على عاتق اللاعبين المحليين الذين، رغم حماسهم، يفتقرون إلى الخبرات اللازمة لمواكبة منافسيهم الدوليين. ويطرح ذلك تساؤلات حول قدرة هؤلاء اللاعبين على تعويض نقص اللاعبين المحترفين وتحقيق النتائج المطلوبة في التصفيات.
غادرت بعثة المنتخب الوطني إلى رواندا وسط آمال متواضعة، وعلى الرغم من التحديات، فإن الليبيين يظلون متمسكين بأملهم في تحقيق نقاط تؤهلهم للمرحلة المقبلة. وسيواجه المنتخب مضيفه الرواندي في مباراة حاسمة، إذ يحتاج الفريق إلى ثلاث نقاط لضمان استمرار حلم التأهل. يعكس هذا الموقف رغبة لاعبي المنتخب في تجاوز التحديات وتقديم أداء يعيد الثقة إلى جمهورهم، الذي يشعر بالإحباط من مواقف اللاعبين المحترفين.
تبرير الغيابات بأسباب تتعلق بالإصابة أو الالتزامات مع الأندية لم يقنع شريحة واسعة من المتابعين. ففي فترة التوقف الدولي، يُفترض أن يعود اللاعبون إلى منتخباتهم للمشاركة في البطولات الوطنية، إلا أن اللاعبين الليبيين المحترفين اختاروا البقاء مع أنديتهم، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى التزامهم تجاه المنتخب الوطني. ويشير البعض إلى أن اللاعبين باتوا يفضلون الأندية الأوروبية والخليجية التي توفر لهم استقراراً مادياً ومهنياً، بعيداً عن الصعوبات التي يواجهها المنتخب الليبي.
يتحمل الاتحاد الليبي لكرة القدم جانباً من المسؤولية تجاه الأزمة التي يمر بها المنتخب، إذ إن الإهمال في تحسين ظروف المنتخب يؤثر على جذب اللاعبين وولائهم الوطني. ويتطلب هذا الوضع تطوير إستراتيجيات واضحة لدعم المنتخب، والعمل على تعزيز الدعم المالي والتنظيمي، وكذلك إحياء الروح الوطنية بين اللاعبين. إذ أن استقطاب المحترفين وتهيئة بيئة داعمة قد يسهمان في دفعهم للعودة إلى المنتخب والمشاركة بشكل فعال في التصفيات.
في هذا الإطار، يُعتبر غياب المحترفين عن المنتخب جزءاً من أزمة أعمق تواجهها كرة القدم الليبية، إذ يتعين على الاتحاد الليبي التعاطي مع هذه الأزمة بجدية، عبر إيجاد حلول مبتكرة لاستقطاب المحترفين من جديد، خاصةً وأنهم يشكلون ركيزة أساسية لتحقيق نتائج إيجابية في المباريات الدولية.
في خضم الأزمة، لم يجد الحضيري بداً من تسليط الضوء على نماذج من دول أخرى كوسيلة لتحفيز اللاعبين. فاستشهد بنجمي مصر والجزائر، محمد صلاح ورياض محرز، اللذين يمثلان نموذجاً للالتزام والانتماء الوطني. رغم أن كلاهما يتمتع بمكانة متميزة في أندية عالمية، إلا أنهما يتسابقان للانضمام إلى منتخبيهما متى سنحت الفرصة، عاكسين بذلك قيم الولاء لأوطانهما. يعتقد الحضيري أن استحضار مثل هذه النماذج قد يلهم اللاعبين الليبيين لاستشعار المسؤولية تجاه بلادهم، بعيداً عن أي اعتبارات أخرى.
بينما تتجه الأنظار نحو المباراة الحاسمة في رواندا، لا يزال الأمل موجوداً في نفوس لاعبي المنتخب الليبي المحليين، الذين يسعون لتحقيق الفوز والوصول إلى المباراة الأخيرة ضد بنين بكل عزيمة. فهل ستتمكن هذه الكتيبة الشابة من إحياء الآمال ومنح الفرحة للشعب الليبي؟ أم أن الغيابات المتكررة ستظل تشكل عقبة تعرقل مسيرة المنتخب في استعادة مجده على الساحة الأفريقية؟ أسئلة تبقى بلا إجابة حاسمة، لكنها بلا شك تمثل تحديًا يختبر إرادة اللاعبين وإصرارهم على تخطي الصعاب وتحقيق الانتصار.