يتجدد الحديث حول كيفية تقسيم أضحية العيد، بوصفه من أهم الشعائر التي يجسد بها المسلمون قيم البذل والعطاء، ويحيون بها سنة خليل الله إبراهيم عليه السلام.
ولا تقتصر أهمية الأضحية على كونها شعيرة دينية فحسب، بل تمثل أيضًا مناسبة لتوطيد أواصر المودة، وتعزيز مفاهيم التكافل بين أفراد المجتمع.
في هذا التقرير، نرصد بالتفصيل كيفية تقسيم أضحية العيد، ونوضح الآراء الفقهية المرتبطة بها، مع الإشارة إلى بعض الأحكام المهمة التي يكثر التساؤل عنها في هذه المناسبة.
التقسيم الثلاثي: سنة مستحبة وروح للمشاركة
وفق ما أجمعت عليه دار الإفتاء المصرية وفتاوى العلماء، يُستحب تقسيم الأضحية إلى ثلاثة أثلاث:
ثلثٌ يأكل منه المضحي وأهله.
ثلثٌ يُهدى للأقارب والأصدقاء.
ثلثٌ يُتصدق به على الفقراء والمحتاجين.
هذا التقسيم ليس واجبًا شرعيًا، وإنما هو سُنة مستحبة، تهدف إلى تحقيق التوازن بين حق النفس، وحق المجتمع، وحق المحتاجين.
أولاً: الثلث للمضحي وأهله
يُباح للمضحي أن يأكل من أضحيته، وهو ما أكدت عليه النصوص النبوية، ومنها قول النبي محمد ﷺ: “كلوا وادخروا وتصدقوا”.
وبحسب العلماء، يفضل أن يأكل المضحي وأهل بيته من لحم الأضحية، لكونها من النسك الذي يتقرب به إلى الله، ومن ثم فإن مشاركتهم فيه تعبير عن الشكر لله.
ثانيًا: الثلث للإهداء
إهداء جزء من الأضحية للأقارب والجيران والأصدقاء، هو صورة من صور الإحسان وصلة الرحم.
ويستحب أن يُهدى هذا الجزء لمن تربطهم بالمضحي علاقات اجتماعية، حتى ولو كانوا من الميسورين، وذلك لتعميق قيم الترابط والمحبة داخل المجتمع.
ثالثًا: الثلث للتصدق
أما الثلث الثالث، فيُفضل أن يُوزع على الفقراء والمساكين، وهو ما يعزز المعنى الحقيقي للأضحية، المتمثل في إدخال السرور على قلوب المحتاجين.
كما أن هذا الجزء يُعتبر صدقة جارية ترفع من أجر المضحي، وتُظهر الوجه الإنساني للشريعة الإسلامية.
أحكام فقهية مهمة مرتبطة بالأضحية
لا تكتمل الصورة دون استعراض بعض الأحكام الشرعية المرتبطة بالأضحية، والتي تكثر التساؤلات حولها مع حلول عيد الأضحى.
وفيما يلي أهم هذه الأحكام:
1. الأفضلية في أنواع الأضاحي
وفقًا لدار الإفتاء المصرية، تُفضل الأضحية من الغنم (الضأن)، ثم تليها الإبل، ثم البقر.
وذلك استنادًا إلى ما ورد عن النبي ﷺ، حيث كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين.
ولكن الأصل أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام (الإبل، البقر، الغنم)، مع مراعاة السن المشروع والحالة الصحية.
2. حكم بيع أي جزء من الأضحية
أجمعت الفتاوى الشرعية على أنه يحرم بيع أي جزء من الأضحية، سواء كان لحمًا أو جلدًا أو شحمًا.
كما لا يجوز إعطاء الجزار جزءًا منها كأجر، وإنما يُعطى أجره نقدًا.
وقد ورد في الحديث: “من باع جلد أضحيته فلا أضحية له”، وهو ما يدل على تحريم البيع.
3. حكم ادخار لحم الأضحية
يجوز ادخار لحم الأضحية، لكن بشرط ألا يزيد الادخار عن ثلاثة أيام، بحسب بعض الفقهاء، خاصة في حالة وجود وفرة وعدم حاجة الناس.
أما في زمن الحاجة والفقر، فيُستحب توزيع اللحم بسرعة حتى تعم الفائدة. غير أن دار الإفتاء المصرية أجازت الادخار لأكثر من ثلاثة أيام إذا اقتضت الحاجة أو لم يكن هناك مانع شرعي.
4. حكم الأضحية المنذورة
إذا نذر الإنسان أن يُضحي، وجب عليه الوفاء بنذره، وتُعتبر الأضحية منذورة.
ويجوز له الأكل منها، أو إهداؤها والتصدق بها، بحسب طبيعة النذر.
فإن كان قد نذر التصدق بها كاملة، فلا يحل له أن يأكل منها.
البعد الاجتماعي والروحي في تقسيم الأضحية
لا شك أن كيفية تقسيم أضحية العيد تحمل أبعادًا روحية واجتماعية عميقة، إذ تجمع بين العبادة والشعور بالآخر.
فالجزء المُهدى يُدخل البهجة على النفوس، ويقوي العلاقات الاجتماعية، بينما يُشعر الفقير بأنه ليس وحده في هذا العالم، وأن هناك من يفكر فيه ويسعى لسد حاجته.
كما أن المشاركة في الأضحية — سواء بالمال أو الذبح أو التوزيع — تُسهم في ترسيخ مفاهيم العدالة الاجتماعية، وتعيد توجيه الطاقات المجتمعية نحو معاني الخير والتعاون.
نصائح عملية لتوزيع الأضحية
لمن يهمه الالتزام بالسُنة، وتحقيق الغرض الديني والاجتماعي من الأضحية، نقدم هذه النصائح العملية:
احرص على أن يكون جزء الفقراء هو الأجود من اللحم، فهو حقهم وليس منّة.
تأكد من نظافة وسلامة وسائل التغليف والتوزيع حفاظًا على الصحة العامة.
راعِ خصوصية المحتاجين عند التوزيع، وابتعد عن التصوير أو التوثيق الذي قد يحرجهم.
لا مانع من التبرع بقيمة الجزء المخصص للصدقة إلى جمعيات موثوقة تقوم بالذبح والتوزيع بالنيابة.
خلاصة: شعيرة عظيمة بمعانٍ إنسانية سامية
إن كيفية تقسيم أضحية العيد ليست مجرد عملية توزيع لحم، بل هي تعبير عميق عن قيم الإسلام في التضامن والتراحم.
فمن خلال هذا التقسيم المتوازن، تتحقق مقاصد الشريعة في نشر الخير، وتحقيق العدالة، وإحياء روح العيد في القلوب قبل الموائد.
وبين سنة مؤكدة، وحكمة اجتماعية، يظل عيد الأضحى مناسبة عظيمة لتجديد النوايا، وإعادة إحياء شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، بمقاصدها وأثرها المبارك على الفرد والمجتمع.