أعلن مصرف ليبيا المركزي في بيان له اتخاذه إجراءات حازمة من بينها إعادة النظر في سعر الصرف، بما يكفل خلق توازنات في القطاعات الاقتصادية في ظل غياب آمال توحيد الانفاق المزدوج بين الحكومتين.
نص البيان :
في الوقت الذي يؤكد فيه مصرف ليبيا المركزي التزامه التام بالأعمال المناطة به وفق صحيح القانون رقم (1) لعام 2005 بشأن المصارف وتعديلاته. وفي إطار مسؤوليات مصرف ليبيا المركزي تجاه الوطن والمواطن، ومن منطلق مراعاة مبدأ الإفصاحوالشفافية، أرتأينا ضرورة تبيان كافة الحقائق والتحديات التي تواجه ادارة المصرف وواقع الاقتصاد الليبي، وللإحاطة بالحقائق والايضاحات حيال الوضع الاقتصادي والمالي للدولة والتحديات والعراقيل التي أعاقت تحقيق الأهداف المرجوة، وأهم هذه التحديات ما يلي:
1. أن حجم الانفاق العام المزدوج خلال عام 2024 بلغ 224 مليار دينار، منها 123 مليار دينار نفقات حكومة الوحدة الوطنية. و 42 مليار دينار مبادلة النفط، ونحو 59 مليار دينار انفاق الحكومة الليبية مقابل ايرادات نفطية وضريبية بلغت 136 مليار دينار، وهذا الانفاق ولد طلب على النقد الاجنبي بقيمة 36 مليار دولار، حيث ساهم في اتساع واختلال الفجوة بين الطلب والعرض من العملات الاجنبية، وحال دون تحقيق اهداف المصرف المركزي في المحافظة على استقرار سعر الصرف والرفع من قيمة الدينار الليبي.
2. أدى التوسع في الانفاق العام المزدوج خلال السنوات الماضية وخلال عام 2024 إلى زيادة كبيرة في عرض النقود، إلى أن وصل مبلغ 178.1 مليار دينار، ما من شأنه أن يؤدي إلى عدة تأثيرات اقتصادية سلبية ويضع تحديات امام المصرف في ظل محدودية الادوات المتاحة لاحتوانه، وسيحدث مزيداً من الطلب على النقد الاجنبي واستمرار الضغط على سعر صرف الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية في السوق الموازي، ومعدلات التضخم، ومخاطر فقدان عنصر الثقة في العملة المحلية.
3. ضعف إيرادات الصادرات النفطية الموردة إلى مصرف ليبيا المركزي، حيث بلغت خلال عام 2024 نحو 18.6 مليار دولار فقط، وبلوغ المصروفات من النقد الاجنبي 27 مليار دولار نتج عنه فجوة كبيرة بين حجم الطلب على النقد الاجنبي والمتاحمنه صعب على ادارة المصرف المركزي تحديد سياسة واضحة لادارة سعر الصرف نتجية الطلب المتزايد على النقد الاجنبي والتوسع في الانفاق العام المزدوج.
4. وفي ظل الاستمرار في اصدار قرارات بالصرف على أساس اعتمادات 12/1 خلال عام 2025 من قبل الحكومتين، واستمرار التوسع في الإنفاق العام بنفس وتيرة عام 2024 وبلوغه مستويات 224 مليار دينار، سيفاقم الوضع المالي والاقتصادي للدولة ويضع تحديات جديدة امام المصرف ومزيداً من الطلب على النقد الأجنبي، وتفاقم العجز في ميزان المدفوعات والميزانية العامة، وتنامي رصيد الدين العام.
.5. إن بيانات الربع الأول من عام 2025 تظهر بوضوح استمرار وتيرة الانفاق العام المزدوج والتمويل بالعجز و ارتفاع الطلب على النقد الاجنبي وعجز الايرادات النفطية عن تغطيته، وهو أمر خطير، حيث بلغ اجمالي مصروفات النقد الاجنبي للربع الاول نحو 9.8 مليار دولار منها 4.4 مليار دولار إعتمادات وحوالات، و 4.4 مليار دولار بطاقات تجار وأغراض شخصية، ومليار دولار مصروفات حكومية)، أي ما يعادل 55 مليار دينار ؟!، في حين بلغت الايرادات النفطية والاتاوات الموردة للمصرف نحو 5.2 مليار دولار حتى يوم 27 مارس بعجز بلغ نحو 4.6 مليار دولار خلال ثلاثة اشهر فقط، وسيزداد الأمر خطورة في حالة انخفاض معدلات إنتاج وصادرات النفط لأية متغيرات، أو تدهور أسعار النفط العالمية.
6. فاقم التوسع في الانفاق العام الناتج عن قرارات وقوانين في ارتفاع مستوى الدين العام القائم لدى مصرف ليبيا المركزي طر ابلس وبنغازي، ليصل إلى قرابة 270 مليار دينار حالياً، منها 84 مليار دينار لدى مصرف ليبيا المركزي طرابلس ونحو 186 مليار دينار لدى مصرف ليبيا بنغازي، ومتوقع أن يتجاوز اجمالي الدين 330 مليار دينار بنهاية عام 2025 في ظل غياب ميزانية موحدة والصرف بنفس وتيرة عام 2024 وهو مؤشر خطير جداً وغير قابل للاستدامة، ويُحدث تشوهاً كبيراً في مؤشرات الاقتصاد الكلي.
.7 لتقليل الفجوة بين الطلب والعرض من النقد الاجنبي وعجز ميزان المدفوعات اضطر المصرف إلى استخدام جزء من احتياطيات النقد الأجنبي لفترة محدودة للمحافظة على استقرار سعر الصرف عند مستويات مقبولة، تحافظ على اسعار السلع والخدمات وتحد من انفلات معدل التضخم وتدهور القوة الشرائية للمواطن، إلا ان استخدام الاحتياطيات غير قابل للاستدامة، الأمر الذي اضطر المصرف المركزي معه إلى إعادة النظر في ضوابط النقد الأجنبي، وفي سعر الصرف لاحتواء تداعيات الانفاق العام غير المنضبط، وغياب سياسات إقتصادية كلية فاعلة، ومحددة الاهداف.
8. يؤكد المصرف المركزي على قيامه بكامل واجباته في المحافظة على الأصول الأجنبية عند مستويات تتجاوز 94 مليار دولار منها 84 مليار دولار احتياطيات يديرها المصرف، وذلك في ظل التحديات الجسيمة، والبيئة الخطرة التي يعمل فيها.
9 ادى الانقسام الحكومي في مؤسسات الدولة ووزاراتها إلى اتخاذ اجراءات وقرارات غير متوافقة ومتضاربة بين الحكومتين وغياب رؤية اقتصادية شاملة وموحدة تُطبق على كامل التراب الليبي، وهذا أضعف من دور المصرف المركزي في تنفيذ سياسة نقدية فعالة.
10. عدم القدرة على محاربة والحد من ظاهرة تهريب السلع والمحروقات ساهم في تفاقم الازمة نتيجة زيادة الطلب على استيراد السلع والمحروقات واستنزاف النقد الاجنبي المتاح للمصرف المركزي، كما ان ظاهرة ارتفاع اعداد العمالة الوافدة غير الرسمية والهجرة غير الشرعية التي تستنزف قرابة 7 مليار دولار سنوياً، مما زاد من معدل استهلاك السلع والطلب على العملات الاجنبية في السوق الموازي والذي أصبح يغذي كافة الانشطة غير المشروعة وتوسع ظاهرة غسل الأموال وتمويل الارهاب في هذا السوق.
وبناءً على ما تقدم، فإن مصرف ليبيا المركزي، إذ يقوم بدوره ويزاول الوظائف المناطة به قانوناً، والتي تهدف إلى تحقيق الاستدامة المالية واستقرار المستوى العام للأسعار، وسلامة النظام المصرفي، وإدارة إحتياطيات النقد الأجنبي بما يكفل المحافظة عليها، ومن منطلق المسؤولية الوطنية اضطر المصرف المركزي إلى اتخاد جملة من الاجراءات الحازمة من بينها إعادة النظر في سعر الصرف بما يكفل خلق توازنات في القطاعات الاقتصادية في ظل غياب أمال أو آفاق لتوحيد الانفاق المزدوج بين الحكومتين.
وختاماً يُبدي المصرف المركزي استعداده التام للتعاون مع كافة الاطراف وبكل بشفافية، ويدعو السلطة التشريعية والتنفيذية ومن كافة الجهات والمؤسسات والاطراف ذات الصلة بضرورة تكاثف الجهود لانهاء حالة الانقسام السياسي والمؤسسي ووضع رؤية اقتصادية قصيرة الأجل محددة الاهداف تحاكي الوضع الحالي للاقتصاد الليبي، وتتناغم فيها السياسات الاقتصادية الكلية وتتضمن إقرار ميزانية موحدة تضبط الانفاق العام عند مستويات يمكن من خلالها تفادي المزيد من الآثار السلبية على الاقتصاد الليبي وسعر صرف الدينار، وتراعى فيها القدرة الاستيعابية للاقتصاد الليبي. كما يناشد المصرف الجهات القضائية وزارة الداخلية اتخاذ إجراءات رادعة للحد من ظاهرة تهريب السلع والمحروقات إلى دول الجوار، ومحاربة ظاهرة المضاربة بالعملات الأجنبية في السوق السوداء التي أصبحت منظمة وأمام العلن