اقتصاد

المحلل المالي “خالد الزنتوتي”: الدعوة إلى تعويم الدينار.. هي دعوة لإغراق كل الطبقة الوسطى !!

كتب المحلل المالي “خالد الزنتوتي” مقالاً قال خلاله:

راعني هذه الأيام ما تنشره بعض وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام من مناظرات ومطارحات كثيرة تتعلق بإمكانية تعويم الدينار الليبي من عدمه، ولعلي أراها نوع من الترف التنظيري الاستعراضي لا غير ، ببساطة لأن الوقت والظروف والوضع الاقتصادي غير ملائم أصلاً لمناقشة هذا الموضوع (موضوع التعويم)، مع إحترامي للأطراف المشاركة في النقاش ، سواء أكانوا من الجانب العلمي الأكاديمي أو من الجانب التجاري المصلحي البراغماتي، وفي نفس الوقت أرى أن الأجدر هو تسخير هذه الطاقات والقامات العلمية والتجارية لمناقشة مشاكلنا الاقتصادية المزمنة ، مثل انهيار الدينار وأسبابه ومعالجة آثاره، والتضخم وانعكاساته على محدودي الدخل، وإنفاقنا الاستهلاكي المريع، وديننا العام المتصاعد وكيفية تنظيمه وتسديده، وانقسام ميزانياتنا وحكوماتنا وتشوه المالية العامة عندنا بشكل فاق كل التصورات، وسوء أدارتنا لمواردنا وكيفية تعزيزها وزيادتها ،،،،الخ ،،،،الخ،،،،

للأسف قفزنا إلى نقاش مبدأ تعويم الدينار ونحن بعيدين كل البعد عن حاجتنا لمناقشته في ظروفنا هذه ، ومع إيماني بأنه مبدأ اقتصادي قائم وله أسسه وأركانه وتاريخه، ولعلي وجدت نفسي مضطراً إلى الخوض في هذا الموضوع ولو بشكل مختصر لتوضيح وجهة نظري لعلها خاطئة ولكنها تضل وجهة نظر.

هناك البعض من يعتقد بأن قانون العرض والطلب وسعر (سوق المشير) هو ما يعكس السعر الحقيقي للدينار مقابل الدولار وهنا يبدأ الخلاف ، فكيف لنا أن نعتبر أن السوق الموازي(سوق المشير) هو السوق الحقيقي لسعر الدينار مقابل الدولار في وقت يتحكم فيه مجموعة محدودة من (المضاربين وكبار التجار في سوق العرض) والطلب للدينار سواءً في سوق المشير أو ڤينيسيا في بنغازي أو غيرهما، أليس هذا احتكار وربما (احتكار قلة)، أليس هذا إخلال بأبسط قواعد اقتصاد السوق !!؟؟

وحتى لو أخذنا بنظرية الاقتصاد الحر فإن قوانين العرض والطلب وتطبيقاتها لها إشتراطاتها والتي منها المنافسة الكاملة ،وعدم كبح عوامل العرض والطلب والاستقرار الاقتصادي والسياسي الخ ،،،الخ ،،، ونحن للأسف نفقد كل ذلك فكيف لنا أن نعتد بنظرية العرض والطلب لتحديد سعر الدينار في سوق المشير واعتبارها القيمة الحقيقية للدينار في ظل هذه المعطيات المتناقضة تماماً مع أساسيات اقتصاد السوق .

المعروف أن من يتحكم في عرض الدولار في سوق المشير هم مجموعة من التجار والمضاربين الذين تحصل بعضهم على الدولار من خلال اعتمادات مشبوهة أو من خلال قنوات فاسدة ، ولا أعمم هم ربما قلة محدودة تتحكم في السوق طبقاً لمصالحها الشخصية، ومن يدعو لتعويم الدينار في هذه الظروف هو في حقيقة الأمر أما متجاهل لواقع اقتصادنا القائم المرير والذي لا يمكن من خلاله تطبيق أي نظرية اقتصادية في تحديد أسعار الصرف وعلى رأسها ما يعرف بنظرية التعويم الحر، أو أنه براغماتي ومستفيد بشكل أو اخر(وهذا من حقه) لأن كل حساباته أو أرصدته أو معظمها هي بالدولار ولذا فإن التعويم يخدم مصالحه من خلال تأكده أن الدينار سينخفض بنسبة كبيرة وهذا يمكّنه من الاستحواذ على مزيد من الأصول والممتلكات متجاهلاً (ربما بحسن نية) لظروف الاقتصاد الوطني القائمة والتي لا شك ومن خلال مقترح التعويم للدينار ستؤدي لانخفاض الدينار بشكل غير مسبوق ، وهذا له انعكاساته الكارثية على مستوى حياة المواطن وعدم قدرته على الإيفاء بمتطلبات المعيشة الأساسية وخاصة أن معظم استهلاكنا هو استيراد وهذا يعني تضخم لا مثيل له وفقدان القوة الشرائية للمواطن بشكل غير مسبوق.

اقتصادنا أحادي الدخل مصدره الوحيد النفط ولا توجد لدينا أي قاعدة تصديرية أخرى، النفط الذي لا نتحكم لا في سعره أو لا في كميته بل أننا نتوقع في أي لحظة أن يهبط سعر النفط إلى ما دون 60 دولار (وهذا هدف أمريكي معلن)، من بعض الإحصائيات المنشورة آخيراً، وصلت قيمة طلبات الدولار وبمختلف الأغراض إلى ما يقرب ال 5 مليار دولار خلال أسبوعين فقط !!!! هذا يعني 3 أضعاف دخلنا النفطي المتوقع!! فهل هذا ممكن، تصوروا طلب بثلات أضعاف العرض وفي ظل (مقترح التعويم) ونظرية العرض والطلب تصوروا كم سيصل سعر الصرف، ربما ضعف السعر الرسمي الآن أو أكثر! ولا كيف سنعوض المواطن في مرتبه مقابل التضخم وانهيار العملة المحلية أليس هذا سؤال جدير بالإجابة؟؟؟

ما هي الفائدة من تعويم الدينار هل نتوقع تدفقات دولارية إستثمارية خارجية كبيرة أو نتوقع أرقام صادرات كبيرة أو نتوقع تدفق دولاري كبير على بنوكنا الليبية من العالم (محل الثقة العالمية وملاءتها المالية أو…أو….أو وذلك في ضوء عدم الاستقرار الذي نعيشه لا شيء من هذا سيحدث بل العكس تماما !!!

سيرتفع خط الفقر لدينا وسوف نضطر لزيادة المرتبات لمجابهة التضخم وسندخل في دائرة تضخمية لا تنتهي وسنطبع عملة محلية من فئة مائة دينار وحتى الألف، وسيصبح الدينار في (براويط) تماما مثل ما حصل في والأرجنتين وزيمبابوي وفنزويلا .

أود أن أشير أنه طبقاً لبعض الاحصائيات المنشورة آخيراً، فإن خط الفقر في مصر ارتفع من نسبه 34% من نسبة السكان قبل التعويم الكامل للجنيه المصري إلى 66% بعد التعويم الكامل ، مع الأخد في الإعتبار تنوع الدخل في مصر وخاصة في ما يتعلق بالتصدير والسياحة وتحويلات المصريين بالخارج فما بالنا نحن؟؟

إنني أخاف أم يرتفع خط الفقر عندنا في حالة التعويم للدينار إلى نسب غير مسبوقة وأن تتحول كل الطبقة الوسطى إلى خط الفقر وهذا ما لا نريده جميعاً .

في قناعاتي الخاصة لا توجد دولة في العالم تطبق نظرية التعويم الحر المطلق بما في ذلك أمريكا نفسها، ونحن نعلم تدخل الاحتياطي الفيدرالي في كثير من الأحيان بشكل معلن أو غير معلن في ضخ الدولار في السوق أو بسحبه من خلال أدوات الخزانة المعروفة ، بل إني أعتقد أن حتى التدخل من الفيدرالي الأمريكي في تحديد سعر الفائدة هو تدخل قسري يمس بنظرية الاقتصاد الحر ونظرية التعويم الحر إذ أنه يؤثر بشكل مباشر على العرض والطلب على الدولار طبقا للتغيرات على سعر الفائدة.

أنظر للصين كذلك عملاق اقتصادي عالمي لم يطبق نظرية التعويم الحر على اليوان بل إنه يتدخل بشكل أو آخر في الحفاظ على قيمة اليوان بشكل يرفع من قوته التصديرية بالرغم من الإعتراض الأمريكي المستمر على ذلك، ومن وجهة نظري أن ما يعرف بنظرية (التعويم المدار) ما هو إلا وصف خجول لتثبيت لسعر العملة والسماح بحركتها في مدى محدود لا يتجاوز 7-10% .

إذاً من الناحية الواقعية لا يوجد تعويم للعملات حتى أن وجدت تسميات تشير إلى ذلك لكن واقع الأمر يختلف تماما،
الحل الأمثل لوضعنا الديناري، هو تثبيت سعر صرفه من البنك المركزي وذلك من خلال إيجاد السعر التعادلي ( التوازني ) والذي يستند إلى نموذج علمي يرتكز على المتغيرات الكلية والجزئية لاقتصادنا الوطني والذي يمكن للمصرف المركزي الدفاع عنه في اي وقت، مع إمكانية تعديله طبقا لاي تطورات ( إيجابية او سلبية )،وإنني أوافق البعض في أن ذلك يتطلب سياسات مصاحبة من شأنها الحفاظ على قوة الدينار مقابل الدولار وهي سياسات كثيرة لا مجال لذكرها هنا وعلى رأسها ما يتعلق بالقضاء على الفساد وأدواته وبكل أشكاله ومن كل مريديه .

وختاما أخاف أن من يدعو إلى تعويم الدينار اليوم أن يقول لنا غداً، وفي حال تعويمه، (وما كان لِيَ عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ ).

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

صحيفة صدى الاقتصادية

أضف تعليقـك

4 × 3 =