في مشهد يفضح حالة التخبّط الإداري، يتنقّل وزير الاقتصاد بحكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج بين إصدار القرارات وسحبها، ليعود ويجددها مرة أخرى وكأنها لعبة شدّ وجذب.
قرارات الاستيراد والتصدير لم تعد أحكامًا ثابتة تضبط السوق، بل تحولت إلى سلسلة من الإيقافات والاستثناءات والتعديلات المتلاحقة، تُصدر اليوم وتُعلّق غدًا ثم تُستبدل بقرارات جديدة بعد أيام.
هذا التذبذب المستمر لم يترك سوى ارتباك في المنافذ الجمركية، قلق بين التجار والمستوردين، وغموض يخيّم على السياسات الاقتصادية التي يُفترض أن تكون أساس الاستقرار لا عنوان الفوضى.
فبعد أن سحب قراراته مرارًا، لم تنل توجهاته الاقتصادية أي قدر من الثقة حتى الآن، إذ بات يُعرف في الأوساط بـ”وزير الاستثناءات وسحب القرارات”، في صورة لوزير لا يُمسك بزمام قراره، بل يترنح بين المنع والإباحة، ويُسجل نفسه ضمن قائمة أصحاب القرار المرتبك
ورغم شروع مصلحة الجمارك في تنفيذ القرارات باعتبارها خطوة إصلاحية للوضع، كان الحويج دائمًا هو من يدفع باتجاه سحبها، ليُفرغ أي محاولة للتصحيح من مضمونها ويُعيد المشهد إلى دائرة العبث والتراجع.
يقول المستشار القانوني “هشام الحاراتي” : تكرار سحب وإعادة إصدار القرارات المتعلقة بتنظيم الاستيراد وربط الإفراجات الجمركية بالعمليات المصرفية، دون خطة واضحة أو جدول زمني محدد، يمثل عبثاً تشريعياً يُقوّض مبدأ اليقين القانوني، ويهزّ ثقة المستثمرين في المنظومة الاقتصادية.
الحاراتي: إن مثل هذا التخبط الإداري يُحمّل المتعاملين التجاريين مخاطر قانونية غير محسوبة، ويخلق بيئة طاردة لرأس المال الوطني والأجنبي، ويجعل من القانون أداة متقلبة لا يمكن الاعتماد عليها في التخطيط الاقتصادي أو التعاقد التجاري.
الحاراتي: لذلك، نحتاج إلى استقرار تشريعي يُبنى على مشورة فنية وقانونية واقتصادية مشتركة، لا إلى قرارات مرتجلة تُسحب وتعاد.
ختاماً، في النهاية، لا يمكن قراءة قرارات وزير الاقتصاد محمد الحويج بمعزل عن حالة الارتباك التي وسمت مسيرته منذ 2021، حيث تحوّلت السياسات الاقتصادية إلى مجرد أوامر تصدر اليوم وتُسحب غدًا، ثم تُعاد صياغتها لتُعلن من جديد وكأنها إنجاز.
وبينما تسعى مصلحة الجمارك والجهات المعنية جاهدة لتطبيق ما يُملى عليها، يبقى الوزير نفسه هو من يفرغ هذه الجهود من محتواها عبر التراجع الدائم والاستثناءات المتلاحقة، فيضرب مصداقية قراراته بيديه.
لقد أصبح المشهد الاقتصادي في ليبيا ضحية قرارات مرتعشة لا تحمل ثباتًا ولا رؤية، بل تُلقي بظلالها على ثقة الشارع والتجار والمستوردين، وتفتح الباب أمام المضاربين ليستغلوا حالة الغموض والفوضى.
وبين كل إصدار وسحب وتجديد، تبقى الأسعار في حالة عدم استقرار، ويتحمّل المواطن البسيط وحده كلفة هذا التخبط.
ويبقى السؤال المُلحّ: هل سيكون قرار منع الاستيراد والتصدير عبر القنوات المصرفية خطوة جادة هذه المرة، أم أن الحويج سيعود ـ كالعادة ـ ليمحو قراره بقرار آخر، ويضيف فصلاً جديدًا إلى مسلسل “وزير الاستثناءات” وارتباكه المزمن في إدارة واحدة من أهم الملفات الاقتصادية في البلاد!!















يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا