كتب المستشار “مصطفى المانع” حصرياً لصحيفة الاقتصادية: ليبيا والبنك الدولي”تعاون استشاري وليس استدانة”
تشهد علاقة ليبيا مع مجموعة البنك الدولي خلال الفترة الأخيرة تطورًا ملحوظًا، يقوم على الشراكة الفنية وتبادل الخبرات ولا علاقة لذلك بالاستدانة من البنك. فالبنك الدولي لا يقتصر دوره على الإقراض، بل يمتد ليقدّم حزمة واسعة من الخدمات الاستشارية والتحليلية التي تدعم الدول الأعضاء في إصلاح مؤسساتها، وتحسين كفاءة سياساتها الاقتصادية، وتعزيز الشفافية في إدارة المال العام.
لقد انضمّت ليبيا إلى البنك الدولي منذ خمسينيات القرن الماضي، وظلت عضويتها فاعلة رغم التحديات السياسية والاقتصادية. اليوم، تزداد الحاجة للاستفادة من خبرة البنك في إعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية الوطنية وبناء قاعدة معرفية تساعد في رسم السياسات العامة، خاصة في ظل مساعي حكومة الوحدة الوطنية لتعزيز الاستقرار وتحريك عجلة التنمية.

من المهم الإشارة إلى أن التعاون مع البنك الدولي في السياق الليبي لا يعني بالضرورة الاستدانة، بل يعتمد على برامج استشارية تشمل:
• تقديم دراسات تحليلية واراء استشارية حول الاقتصاد الكلي وإدارة المالية العامة.
• دعم بناء القدرات المؤسسية وتعزيز نظم الحوكمة.
• تطوير بيئة الاستثمار وتسهيل الشراكات مع القطاع الخاص، وغير ذلك من فرص الدعم.
“تجارب دول الخليج مع البنك الدولي”
هذا النموذج من التعاون ليس حكرًا على ليبيا؛ بل تتبنّاه دول مقتدرة ماليًا مثل دول الخليج، التي تلجأ إلى البنك الدولي للحصول على المشورة الفنية وإدارة بعض البرامج، رغم امتلاكها موارد مالية ضخمة. ومن أبرز الأمثلة:
السعودية: تعتمد على برنامج الخدمات الاستشارية القابلة للسداد (RAS)، في مجالات مثل إصلاح النظام الضريبي (ضريبة القيمة المضافة) ودعم مستهدفات رؤية 2030.
الإمارات:تعاونت مع البنك في تطوير السياسات البيئية وتعزيز استراتيجيات الطاقة النظيفة، إضافة إلى دعم بعض مبادرات التعليم.
الكويت: أبرمت عدة اتفاقيات خدمات استشارية قابلة للسداد لدعم إصلاحات القطاع المالي وتحسين بيئة الأعمال.
قطر: ركز تعاونها على برامج التعليم وتنمية المهارات، كما ساهمت في دعم المؤسسة الدولية للتنمية (IDA) الموجهة للدول الفقيرة.
هذه الأمثلة تعكس أن التعامل مع البنك الدولي لا يرتبط بالقدرة المالية للدول، بل بالحاجة إلى المعرفة العالمية والخبرة المؤسسية.


“حرص الحكومة على عودة المؤسسات الدولية والشركات الاجنبية”
في فبراير الماضي، زار نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طرابلس، حيث التقى رئيس الحكومة السيد عبد الحميد الدبيبة وعددًا من المسؤولين، وتم التأكيد خلال اللقاء على أهمية تفعيل التعاون الفني بين الطرفين.
وفي أبريل 2025، وُقّعت مذكرة تفاهم بين الحكومة الليبية والبنك الدولي في واشنطن، تهدف إلى تأطير مجالات الدعم الفني والاستشاري وتوسيع مجالات التعاون في مجالات الاقتصاد الكلي والحوكمة وإدارة المشاريع.
من المؤشرات الإيجابية الأخرى، قرب إعادة افتتاح مكتب البنك الدولي في طرابلس بعد سنوات من التوقف، وهو ما سيعزز من وجود المؤسسة الدولية ميدانيًا، ويتيح تنفيذ برامج الدعم الفني بشكل أكثر فاعلية، مع توفير قناة اتصال مباشرة بين الفرق الفنية للبنك والمؤسسات الليبية.


“ختاماً”
إن علاقة ليبيا مع البنك الدولي ليست مسألة اقتراض، بل هي استثمار في المعرفة والخبرة. ومن خلال هذا التعاون، تسعى ليبيا إلى بناء مؤسسات قادرة على إدارة مواردها بكفاءة، وتهيئة بيئة اقتصادية جاذبة، بما يتماشى مع تجارب دول عديدة مقتدرة وجدت في البنك شريكًا استراتيجيًا في التخطيط والتطوير.
المستشار مصطفى المانع هو محامٍ ليبي وخبير قانوني واقتصادي منذ أكثر من 23 عامًا، عمل مع عدد من المؤسسات الاستثمارية والصناديق السيادية والبنوك في عدد من دول العالم بالإضافة إلى ليبيا، ويعمل كخبير لمراكز بحثية دولية، وعمل لسنوات كمستشار لمصرف ليبيا المركزي، وعضو مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار والمصرف الليبي الخارجي، كما مثّل ليبيا في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كما يرأس الفريق التنفيذي لمبادرات رئيس الوزراء والمشروعات الاستراتيجية، كما انه عضو المجلس الليبس الامريكي للتجارة والاستثمار، وله عدد من البحوث والمقالات المنشورة بالصحف العربية والأمريكية والأوروبية.
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا