في مشهد سياسي معقد ومتداخل مثل ليبيا، يتصدر الصادق الغرياني المفتي المعزول ورئيس الحكومة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة الساحة بعلاقات متوترة وتحالفات مضطربة.
القصة هنا ليست فقط عن النفوذ والسيطرة، بل عن كيف يستخدم كل منهما الآخر لتحقيق مصالحه، وكيف يدور هذا التحالف الظاهري حول مصالح شخصية ضيقة وتنازلات مخزية.
الصادق الغرياني، الذي كان مفتي ليبيا، هو شخصية مثيرة للجدل لطالما استغلت الدين لخدمة أهداف سياسية ضيقة. على الرغم من وقف التمويل الرسمي له، إلا أن دار الإفتاءه لا تزال تلعب دورًا مؤثرًا في الساحة السياسية. الغرياني، برغم كل شيء، لم يتوقف عن ممارسة نفوذه، مستغلاً تأثيره على جماعة الإخوان المسلمين والمؤيدين له في الشارع الليبي. ولكن هذا النفوذ لم يأتِ بدون تكلفة، بل هو نفوذ بُني على استخدام الدين كأداة لتبرير السياسات والتصرفات التي تفتقر إلى الأخلاق والمبادئ.
أما عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة، فهو شخصية سياسية لا تقل إثارة للجدل. الدبيبة، الذي يتظاهر بأنه يسعى لاستقرار ليبيا، يلجأ دائمًا للغرياني عندما تتعقد الأمور السياسية أو عندما يواجه ضغوطًا داخلية أو خارجية.
الدبيبة يعرف جيدًا أن فقدان دعم الغرياني يعني فقدان تأييد جزء كبير من التيار الإسلامي، ما قد يؤدي إلى انهيار حكومته. ولذلك، يسرع إلى تقبيل “عتبات الغرياني المقدسة” كلما أظهر الأخير أنيابه.
هذا التحالف الظاهري بين الغرياني والدبيبة يتجاوز السياسة الليبية الداخلية ليشمل علاقات إقليمية ودولية. الغرياني، الذي يعد عراب العلاقة بين ليبيا وتركيا، يستخدم هذه الورقة للضغط على الدبيبة. تركيا، الداعمة لجماعة الإخوان المسلمين، تجد في الغرياني شريكًا استراتيجيًا لتحقيق مصالحها في ليبيا. والدبيبة، بحكم ضعفه السياسي وافتقاره لدعم شعبي قوي، يجد نفسه مضطرًا للانصياع لضغوط الغرياني لضمان استمرار الدعم التركي.
الغرياني، الذي يعلم جيدًا كيف يلعب بأوراقه، لا يتردد في ابتزاز الدبيبة كلما شعر أن مصالحه مهددة. يكفيه أن يلوح بأنيابه ليعود الدبيبة مسرعًا إلى طاعته، متجاهلًا المبادئ والقيم في سبيل البقاء في السلطة. هذا الابتزاز المستمر يعكس ضعف شخصية الدبيبة، واستعداده للتنازل عن كل شيء من أجل البقاء في الحكم، حتى لو كان ذلك يعني الانصياع لإرادة شخص يستغل الدين لتحقيق مصالحه الشخصية.
إن ما يفعله الغرياني ليس سوى استغلال سافر للدين وتلاعب بمشاعر الناس لتحقيق أهداف سياسية. استخدام الدين كأداة للضغط والابتزاز ليس فقط غير أخلاقي، بل هو خيانة للأمانة التي يفترض أن يحملها كشيخ وداعية. الغرياني، الذي يتظاهر بأنه يعمل من أجل مصلحة ليبيا، لا يهتم إلا بمصلحته الشخصية ومصلحة جماعته، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار البلاد ووحدتها.
الدبيبة، من جهته، يظهر ضعفه وانعدام رؤيته السياسية من خلال انصياعه المستمر لضغوط الغرياني. شخص مثل الدبيبة، الذي يفتقر إلى القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة ومستقلة، لا يمكن أن يقود ليبيا نحو الاستقرار والازدهار. الانصياع لضغوط شخصية ومصالح ضيقة يعكس افتقار الدبيبة للقدرة على قيادة البلاد وتحقيق مصالح الشعب الليبي.
إن هذا التحالف المشبوه بين الغرياني والدبيبة يمثل خطراً حقيقياً على مستقبل ليبيا. بدلاً من العمل من أجل مصلحة الشعب الليبي وتحقيق الاستقرار، نجد أن الغرياني يستخدم الدين للضغط على السياسيين، والدبيبة يتخلى عن مبادئه من أجل البقاء في السلطة. هذا النوع من السياسة لا يمكن أن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام والفوضى.
في نهاية المطاف، يجب على الشعب الليبي أن يدرك أن مستقبله لا يمكن أن يكون مرهونًا بأيدي أشخاص يستغلون الدين والسياسة لتحقيق مصالحهم الشخصية. يجب على الليبيين أن يطالبوا بقيادة حقيقية تعمل من أجل مصلحة البلاد، وليس من أجل مصالح ضيقة وفردية. الغرياني والدبيبة يمثلان نموذجًا للسياسيين الذين يستخدمون كل الوسائل، بغض النظر عن مدى أخلاقيتها، لتحقيق أهدافهم الخاصة. ولذا، فإن مستقبل ليبيا يجب أن يكون بعيدًا عن مثل هذه الشخصيات التي لا تهتم إلا بمصالحها الشخصية على حساب مصلحة البلاد والشعب.