عاجل ليبيا الان

غضب شعبي بسبب احتجاز صحافي لنشره وثائق فساد حكومي واعترافاته للعامة

مصدر الخبر / المشهد

نسرين سليمان
طرابلس ـ «القدس العربي»: أطلقت النيابة العامة سراح الصحافي الليبي أحمد السنوسي مالك موقع جريدة «صدى» الاقتصادية ومقدم برنامج «فلوسنا» المذاع عبر قناة الوسط، بعد ثلاثة أيام من احتجازه من طرف جهاز الأمن الداخلي، من دون معرفة سبب رسمي لهذا التوقيف.

وسبق وأن أثار اختفاء الصحافي في ظروف غامضة جدلاً واسعا بعد أيام قليلة من نشره لمقطع فيديو أعلن من خلاله تعرض كادر صحيفته الاقتصادية لمضايقات من وزارة الاقتصاد وجهاز الأمن الداخلي الليبي بسبب كشفهم عن وثائق فساد بالوزارة، ما أثار جدلاً واسعاً حول عودة سياسة التضييق على الصحافيين وتغييبهم قسراً إلى واجهة المشهد في الغرب الليبي مجدداً.

تفاصيل الحادثة

حينها أفادت عائلة الصحافي أحمد السنوسي بانقطاع الاتصال عنه بعد خروجه من شقته ظهر الخميس11 تموز/يوليو، لقضاء بعض أشغاله بعد ساعات من وصوله إلى مدينة طرابلس.
وقال شقيق الإعلامي أحمد السنوسي إن أحمد وصل مساء لطرابلس وقضى الليلة في شقته وخرج ظهراً لقضاء بعض أشغاله، واستقل سيارته منتظرا صديقا له كان يصلي وطلب منه الانتظار إلا أنه اختفى بعد ذلك.
وقبل اختفائه قال الصحافي أحمد السنوسي في تسجيل مصور نشره على مواقع التواصل الاجتماعي إن وزير الاقتصاد طلب من جهاز الأمن الداخلي اعتقال زملائه، وأضاف أنه اتصل بمسؤول في جهاز الأمن الداخلي وأخبره الأخير أنه لن يجرى إطلاق زملائه الصحافيين المحتجزين إلا بعد الكشف عن المصادر التي سربت لهم تلك الوثائق.
وأضاف السنوسي أنه اتصل برئيس جهاز الأمن الداخلي لطفي الحراري لكنه لم يرد على اتصالاته، وذلك قبل أن يعود إلى طرابلس قادما من تونس لمتابعة القضية، وتعهده بحماية المصادر الصحافية الخاصة.
وبعد إطلاق سراحه نشر جهاز الأمن الداخلي تسجيلاً مصورًا يظهر فيه الصحافي أحمد السنوسي، بوجه معتم، وهو يدلي بما قال الجهاز إنها اعترافات مرتبطة بأسباب احتجازه، وذلك بعد 24 ساعة من إطلاقه من مكتب النائب العام.
وتحدث السنوسي في التسجيل عن خلفيات وأسباب احتجازه لدى الأمن الداخلي، وهي القضية التي قال الجهاز إنها مرتبطة بشكوى مقدمة من وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج مفادها نشر جريدة «صدى» الاقتصادية وثائق ومعلومات تتعلق بعمل الوزارة عبر صفحتها على منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك وذلك دون علم أو إذن من الوزارة، ما صاعد الغضب الشعبي أكثر حيث أن الوثائق المنشورة تتعلق بفساد في الوزارة وقد جرم الأمن الداخلي فعل الصحافي لا الوزارة.

تنديد بالاحتجاز

وعند احتجازه دعت لجنة حماية الصحافيين إلى الإفراج الفوري والآمن عن الإعلامي أحمد السنوسي الذي احتجزته جهة أمنية في العاصمة طرابلس.
ودانت اللجنة، في بيان على موقعها، الواقعة قائلة إنه من غير المقبول ألا تكشف السلطات عن مكان احتجازه أو سبب اعتقاله، مطالبة بإطلاقه فورا من دون قيد أو شرط، وضمان عودته إلى منزله سالما.
وقالت لجنة حماية الصحافيين (مؤسسة أمريكية مستقلة غير ربحية وغير حكومية، مقرها مدينة نيويورك) في بيان إن قوات الأمن «اعتقلت السنوسي، الذي يغطي برنامجه (فلوسنا) السياسة والاقتصاد المحليين على قناة الوسط التلفزيونية المستقلة، واحتجزته في مكان مجهول، حسب تقارير إخبارية قالت إن الصحافي كان قد تحدث مؤخراً عن مزاعم فساد حكومي».
ولم تتلق لجنة حماية الصحافيين أي رد على رسائل البريد الإلكتروني التي بعثت بها إلى جهاز الأمن الداخلي بشأن اعتقال السنوسي، وفق البيان.
فيما أعلنت 42 شخصية عامة واقتصاديون دعمهم لجريدة «صدى» الاقتصادية ومالكها الصحافي أحمد السنوسي، الموقوف لدى جهاز الأمن الداخلي في طرابلس، بعد نشر وثائق تتعلق بقضايا فساد في وزارة الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية والوزير محمد الحويج.
جاء ذلك في بيان موقع من شخصيات اقتصادية وعامة في ليبيا، أعربوا خلاله عن دعمهم الكامل وتضامنهم مع جريدة «صدى» الاقتصادية وصحافييها في مواجهة التحديات والضغوط التي يتعرضون لها جراء ممارسة حقهم في نشر الحقائق وكشف الفساد.
وقال الموقعون على البيان إن حرية الصحافة والإعلام هي من الدعائم الأساسية لأي مجتمع ديمقراطي وصحي، وهي ضرورة لتحقيق الشفافية والمساءلة في إدارة الشؤون العامة.
وطالبوا كذلك وزارة الاقتصاد وحكومة الوحدة الوطنية وجميع الجهات الحكومية المعنية باحترام الدور المهم الذي تقوم به الصحافة في مكافحة الفساد وكشف المخالفات، داعين الوزارة إلى الامتناع عن أي محاولات للتضييق أو التهديد ضد المؤسسات الصحافية والصحافيين، والسماح لهم بممارسة عملهم بحرية ومن دون عوائق.
وأكد الموقعون على البيان ضرورة الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي تضمن حماية المبلغين عن الفساد وتعزز من دور الإعلام في الكشف عن التجاوزات.
كما شددوا على إيمانهم بأن دعم الصحافة الحرة والنزيهة هو واجب وطني، يسهم في بناء دولة القانون والمؤسسات، ويعزز من ثقة المواطن في الجهات الرقابية والحكومية.
وكانت شبكة الصحافيين الليبيين من أولى الجهات التي أدانت بشدة حادثة الاختطاف، معتبرة إياها انتهاكًا صارخًا لحرية الصحافة وحقوق الإنسان. في بيانها، طالبت الشبكة بالتحقيق الفوري في الواقعة والعمل على إطلاق سراح أحمد دون تأخير. «هذه الحادثة تشكل تهديدًا مباشرًا لحرية التعبير في ليبيا» جاء في البيان، «يجب على السلطات أن تتخذ إجراءات فورية لضمان سلامة الصحافيين وحمايتهم من مثل هذه الأعمال الجبانة».

وضع متوتر

اختطاف أحمد السنوسي جاء في سياق متوتر بالفعل، حيث يعيش الشارع الليبي حالة من الغضب الشعبي بعد اعتماد أكبر ميزانية في تاريخ البلاد. هذا الغضب الشعبي تزايد بعدما قام أحمد بفتح ملفات فساد خطيرة تتعلق بوزارة الاقتصاد، حيث كشف عن وثائق تدين الوزير محمد الحويج والمقربين منه بتجاوزات مالية وإدارية جسيمة. الوزير لم يتوانَ عن تهديد أحمد بالأمن الداخلي إذا استمر في نشر هذه الوثائق، ولكن أحمد لم يكن ليصمت في وجه الفساد، وهذا ما جعله هدفًا سهلًا ليد الغدر.
منظمات الإعلام المستقلة لم تكن بعيدة عن الإدانة أيضا فأصدرت المنظمة الليبية للإعلام المستقل، وشبكة أصوات للإعلام، والمؤسسة الليبية للصحافة الاستقصائية، ومنظمة جديد للإعلام، بياناً جميعها أعربت فيه عن قلقها العميق تجاه اختطاف أحمد السنوسي.
وفي بيان مشترك، اعتبرت هذه المنظمات الحادثة انتهاكًا خطيرًا لحقوق الصحافيين، مؤكدة أن أي اعتقال للصحافيين يجب أن يتم وفقًا للإجراءات القانونية الصحيحة، والتي تتضمن شكوى الطرف المتضرر وأخذ الإذن من الوزير المختص، مع ترك التحقيقات لنيابة الصحافة دون غيرها.
المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أصدرت بدورها بيانًا شديد اللهجة، محملة فيه السلطات الأمنية وحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في طرابلس المسؤولية المباشرة عن سلامة أحمد السنوسي. البيان أشار إلى أن هذه الواقعة تعكس حالة متزايدة من الفوضى والانتهاكات التي يعيشها الصحافيون في ليبيا، داعيًا إلى تحقيق عاجل للكشف عن مكان أحمد وضمان الإفراج الفوري وغير المشروط عنه «لا يمكن القبول بهذا الانتهاك السافر لحقوق الإنسان وحرية الصحافة» جاء في البيان، «يجب محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم».
ووسط تكتم عن مصير الإعلامي الليبي أكدت إدارة مؤسسة الوسط الإعلامية والتي يعمل السنوسي ضمن كادرها أيضا، أن الإعلامي أحمد السنوسي محتجز لدى جهاز الأمن الداخلي، وذلك بعدما تم اعتقاله الخميس عقب خروجه من منزله بالعاصمة طرابلس.
وقالت إدارة مؤسسة الوسط، في بيان إنها اتصلت بجهات إنفاذ القانون في ليبيا والتي أكدت لها احتجاز أحمد السنوسي من قبل جهاز الأمن الداخلي من دون أن توضح خلفيات هذا الاحتجاز.
وأضافت أن تلك الجهات أكدت على أنها ستقوم باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والتي من أهمها حماية وضمان حقوق المحتجز القانونية.
يذكر أن الإعلامي أحمد السنوسي هو مالك موقع جريدة «صدى» الاقتصادي وقناة «تبادل» ومقدم برنامج «فلوسنا» الذي يذاع على قناة «الوسط».
وحملت جريدة «صدى» وقناة «تبادل» المجلس الرئاسي، وحكومة الوحدة ووزير الاقتصاد بشكل خاص، المسؤولية الكاملة عن السلامة الجسدية للصحافي أحمد السنوسي.
وأعربت المؤسستان في بيان عن احتجاجهما الشديدين، وإدانتهما بأقوى العبارات اختطاف أحمد السنوسي بشكل تعسفي، من دون الكشف عن مصيره أو توجيه تهمة واضحة له.
وذكرا في البيان أن أحمد السنوسي معروف بجهوده الشجاعة في محاربة الفساد وكشف الحقائق، معتقدين أن خطفه يرتبط ارتباطا وثيقا بعمله الصحافي الجريء في فضح الممارسات الفاسدة والمفسدين، داعين جميع المنظمات الحقوقية والدولية إلى توثيق هذا الاعتداء السافر على أحمد السنوسي، والعمل على كشف ملابسات الحادثة وضمان سلامته الجسدية.
وأكدتا أن الصحافة لن تتهاون في تسليط الضوء على هذه القضية الحقوقية والإنسانية حتى يتم الإفراج عنه وضمان حقوقه، ومواصلة رسالته في محاربة الفساد وكشف الحقيقة، معلنتين عملهما بشكل حثيث على متابعة القضية وتسخير كل إمكانياتهما للكشف عن المتورطين وراء هذا العمل وصون حقوق الصحافيين المطالبين بالعدالة والشفافية والمساءلة.
وكشفت المحامية ثريا الطويبي، عن اختطاف الإعلامي أحمد السنوسي، بسبب نشر بعض الحقائق الواردة بتقرير ديوان المحاسبة عن وزارة الاقتصاد بحكومة الدبيبة.
وقالت في تدوينة بفيسبوك، طبدون تقديم شكوى واتخاذ إجراءات قانونية ضده أو استدعائه بشكل رسمي من الجهات ذات الاختصاص، يعتبر جريمة اختطاف. وقيام وزير بالإيعاز للأمن الداخلي أو غيره من الجهات غير المختصة باعتقال إعلامي بسبب نشر معلومات واردة بتقرير ديوان المحاسبة أو غيره من الجهات الرسمية يعتبر سابقة خطيرة».

حرية الصحافة

وشكلت الثورة الليبية التي اندلعت في عام 2011 نقطة تحول مهمة في تاريخ البلاد. كما هو الحال مع ثورات الربيع العربي، أحدثت تغييرات وإصلاحات شاملة في مختلف القطاعات، بما في ذلك المشهد الإعلامي، وكان الدور المركزي لنجاح هذه الثورة هو الدور الذي لعبته حرية الصحافة والقدرة الجديدة للصحافيين والمواطنين على توثيق ونشر المعلومات، عبر صحافة الموبايل كمثال.
قبل الثورة، اتسم المشهد الصحافي الليبي بسيطرة الحكومة بشدة على وسائل الإعلام، التي قيدت حرية التعبير وفرضت قيوداً مشددة على الصحافيين والمؤسسات الإعلامية. واستخدمت كيانات الدولة الإعلامية كأدوات لنشر أيديولوجيات النظام والسيطرة على السرد، كما كانت الصحافة المستقلة شبه معدومة، وتمّ إسكات الأصوات المعارضة من خلال الرقابة والترهيب والمضايقات. وبالتالي أصبحت الرقابة الذاتية وعدم الخوض بمواضيع تمس النظام منتشرة بين الصحافيين لتجنب العقاب.
وبعد الثورة سمحت حرية الصحافة الجزئية بالتشكيك في الروايات الرسمية وفضح الدعاية الحكومية وتقديم وجهات نظر بديلة وصورة أكثر دقة للأحداث. هؤلاء الصحافيون المحليون والأجانب، عملوا في مخاطرة شخصية كبيرة لتقديم التقارير والتحليلات الموضوعية للجمهور.
إلا أن الوضع الأمني في ليبيا استمرّ متقلبًا، وواجه الصحافيون الذين يغطون قضايا حساسة، مثل الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان أو النزاعات المسلحة، مخاطر العنف أو الاختطاف أو حتى الاغتيال.
وحسب المنظمات الدولية التي ترصد حرية الصحافة، فقد تفاوت ترتيب ليبيا في مؤشر حرية الصحافة على مر السنين. يقدم مؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود، وهي منظمة رقابية مستقلة، تقييمًا سنويًا لحرية الصحافة في جميع أنحاء العالم. ويعكس ترتيب ليبيا في هذا التقرير في السنوات الأخيرة التحديات التي تواجهها البلاد في إنشاء صحافة حرة ومستقلة.
وقبل شهرين أطلق المركز الليبي لحرية الصحافة تقريراً بحثياً حول الاعتداءات التي طالت الصحافيين ووسائل الإعلام والتضييقيات التي قامت بها الحكومات المُتعاقبة ومجلس النواب، خلال العشر سنوات الماضية الممتدة بين 2014 إلى 2024 .
ويأتي هذا التقرير البحثي بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس جمعية المركز الليبي لحرية الصحافة كأول منظمة غير حكومية ليبية تُركز على مراقبة أوضاع حرية الإعلام والتعبير في ليبيا.
التقرير البحثي بني على جمع الشهادات والمستندات السابقة التي أُجْرِيَت خلال السنوات الماضية، كإجراء المقابلات مع الضحايا والتوثيق معهم أو مع ذويهم، حيث سجل المركز الليبي لحرية الصحافة 488 انتهاكاً أغلبها كانت جسيمة وبطبيعة عنيفة.
وتنوعت طبيعة وتصنيف حوادث الانتهاكات بين القتل العمد والتهديد والشروع في القتل والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والاعتداء بالضرب والاحتجاز المؤقت والطرد التعسفي والمنع من العمل- الهجمات والتحريض على وسائل الإعلام والملاحقات القضائية.

فيما كانت أبرز المدن الليبية التي يتعرض فيها الصحافيون فيها للاعتداءات هي طرابلس وما جاورها بمعدل 299 وبنغازي وما جاورها بنسبة 125 وتبقى السنوات المُمتدة بين 2014 و2017 هي الأعلى لمعدلات العنف التي لاحقت الصحافيين ووسائل الإعلام.
كما يقدم التقرير البحثي تحليلاً قانونياً مفصلاً حول القرارات التي تتخذها الحكومات المٌتعاقبة شرقاً وغرباً، وتمس جوهر استقلالية وسائل الإعلام، وتوضح البيئة المعادية وممارسات الجهات الحكومية، خصوصاً الجهات الأمنية والعسكرية المنتشرة في عموم ليبيا ومحاولاتها السيطرة والتضييق على الصحافيين وأعمالهم.
وخلال عقد كامل من الزمن تعرض المئات من الصحافيين والمدوّنين والمدافعين على حقوق الإنسان لحوادث جمة من التعذيب والاختطاف والاعتقال والمنع من العمل، ويرتقي العديد منها لجرائم ضد الإنسانية، وسط ويلات النزاع المُسلح والتشظي وظهور زعامة بقوة سلاحها وعتادها لتفرض نفسها كلاعب في المشهد الليبي العام.

إقرأ الخبر ايضا في المصدر من >> المشهد الليبي

عن مصدر الخبر

المشهد