في خضم التوترات الأمنية المتصاعدة التي تشهدها ليبيا، نفى رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، الشائعات المنتشرة بشأن إغلاق معبر رأس اجدير الحدودي مع تونس . هذا المعبر يُعتبر شريان حياة اقتصاديًا واجتماعيًا للمدن الواقعة على الحدود بين البلدين. ورغم التوترات، حافظت المؤسسات التونسية على وجودها في السوق الليبية، مستفيدة من العلاقات التجارية القوية التي تربط البلدين.
وفي تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24“، أوضح عبد الكبير أن الطريق المؤدية إلى المعبر قد تم غلقها نتيجة اعتصام من الجانب الليبي، مؤكدًا أن المعبر نفسه ما زال مفتوحًا من الجانبين، مع قدرة التونسيين على العبور في حين يتم منع الليبيين من ذلك بسبب تواجد المعتصمين. يُذكر أن الاعتصام الحالي يأتي كنتيجة لعدة مطالب لم تُلبَّ من قِبل الجهات المعنية في ليبيا، إضافة إلى احتجاج المعتصمين على بعض الممارسات الأمنية التي وصفوها بأنها غير مقبولة.
أوضح عبد الكبير أن إعادة فتح المعبر جاءت نتيجة اتفاق بين حكومتي تونس وحكومة الدبيبة منتهية الولاية وبعض الجهات الليبية الأخرى. ومع ذلك، تظل الخلافات العميقة بين حكومة عبدالحميد الدبيبة منتهية الولاية وبلدية زوارة قائمة، خاصة فيما يتعلق بالانتشار الأمني والتبادل التجاري، مما يجعل عملية إعادة فتح المعبر هشة وغير مستقرة.
من جانب آخر، أبدى عبد الكبير تفاؤله بوجود حلول ممكنة يمكن للجهات الليبية اتخاذها لتطويق الخلافات الراهنة وإعادة الاستقرار إلى معبر رأس اجدير الحدودي. ويعكس هذا الموقف رغبة حقيقية في البحث عن تسوية سلمية للمشكلات القائمة، على الرغم من التوترات والمواجهات المسلحة التي شهدها المعبر من الجانب الليبي يوم السبت بين قوات تابعة لداخلية الدبيبةومجموعات مسلحة من مدينة زوارة.
تعتبر التجارة عبر الحدود بين ليبيا وتونس جزءًا حيويًا من اقتصاد المناطق الحدودية، حيث تعتمد العديد من الأسر على السلع والوقود المهربة لتلبية احتياجاتها اليومية. وقد أدت النزاعات السياسية والاقتصادية في ليبيا إلى زيادة عمليات التهريب، بينما تجد تونس نفسها مضطرة للتعامل مع هذه الظاهرة كوسيلة لتخفيف الأعباء الاقتصادية على مواطنيها في المناطق الحدودية.
توقف عمليات التهريب أثر بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي في بنقردان ومدن تونسية أخرى. فقد شهدت هذه المدن ارتفاعًا في أسعار السلع الأساسية والوقود، مما زاد من معاناة السكان الذين يعتمدون على هذه السلع المهربة لتلبية احتياجاتهم اليومية. علاوة على ذلك، أدى توقف التهريب إلى فقدان العديد من الوظائف المرتبطة بهذه العمليات، مما زاد من معدلات البطالة في هذه المناطق.
في ظل هذه الظروف، أصدر المجلس المحلي لمدينة بنقردان بيانًا هدد فيه بإغلاق الحدود إذا لم تُستأنف عمليات التهريب. هذا التهديد يعكس حجم الأزمة التي تعيشها المدينة ويبرز أهمية التهريب كجزء من الاقتصاد المحلي. ورغم أن هذا التهديد قد يبدو تصعيدًا، إلا أنه يعكس يأس السكان المحليين ورغبتهم في إيجاد حلول فورية للأزمة الاقتصادية.
على الجانب الليبي، تُعتبر عمليات تهريب الوقود والسلع مشكلة كبيرة تؤثر على الاقتصاد الوطني. حيث تخسر ليبيا ملايين الدولارات سنويًا نتيجة لتهريب الوقود والسلع إلى الدول المجاورة. ولهذا السبب، اتخذت السلطات الليبية قرارًا حاسمًا بوقف هذه العمليات في محاولة لحماية الاقتصاد الوطني وضبط الأوضاع الأمنية.
في ظل التوتر المتزايد، تبرز الحاجة إلى إيجاد حلول مستدامة لهذه الأزمة. يمكن أن تشمل هذه الحلول تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وفتح قنوات قانونية للتجارة عبر الحدود تضمن مصالح الطرفين. كما يمكن للطرفين النظر في تقديم دعم اقتصادي للمدن الحدودية المتضررة لتخفيف الأعباء على السكان.
تلعب المنظمات الإقليمية والدولية دورًا هامًا في تقديم الدعم والمساعدة لحل الأزمات الاقتصادية والسياسية بين الدول. يمكن لتونس وليبيا الاستفادة من هذا الدعم لتعزيز التعاون بينهما وإيجاد حلول مستدامة للأزمة الحدودية. قد تشمل هذه الجهود تقديم مساعدات اقتصادية وتنموية للمدن المتضررة، بالإضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية.
رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها كل من ليبيا وتونس، إلا أن التعاون والحوار البناء يمكن أن يسهمان في إيجاد حلول مستدامة للأزمة الحدودية. من الضروري أن تعمل الحكومتان على تعزيز الثقة المتبادلة والتعاون لتحقيق التنمية الاقتصادية والاستقرار في المنطقة.
في ضوء التطورات الراهنة، يُطرح السؤال حول مدى قدرة البلدين على تحويل معبر رأس اجدير إلى أكبر معبر بري في أفريقيا، كما كان يأمل البعض. رغم الطموحات الكبيرة التي كانت لدى النظامين السابقين في تونس وليبيا، إلا أن الواقع الحالي يعكس حالة من الفوضى وعدم الاستقرار تجعل تحقيق هذا الهدف يبدو بعيد المنال.
تعكس الأزمة الحدودية بين ليبيا وتونس التحديات الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي تواجهها المنطقة. ومع توقف عمليات تهريب السلع والوقود، تتزايد معاناة السكان في المدن الحدودية. من الضروري أن تعمل الحكومتان على إيجاد حلول مستدامة لهذه الأزمة من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي وفتح قنوات قانونية للتجارة عبر الحدود. فقط من خلال الحوار والتعاون يمكن تحقيق الاستقرار والازدهار لكلا البلدين.
لا يمكن إغفال الدور الذي يمكن أن تلعبه المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في تقديم الدعم والمساعدة للسكان المتضررين. يمكن لهذه الجهات أن تساهم في تقديم الدعم الإنساني والاقتصادي، وتعزيز الوعي بأهمية التعاون والحوار لحل الأزمات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دورًا هامًا في دعم الجهود المبذولة لحل الأزمة الحدودية من خلال تقديم المساعدات المالية والتقنية.