وسط توتر سياسي يعصف بمشهد الحكم في ليبيا، أطل مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح بإعلانٍ عن فتح باب الترشح لرئاسة الحكومة الجديدة. هذا الإعلان كان بمثابة زلزال في الساحة السياسية الليبية، موجهاً الأنظار نحو عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة منتهية الولاية، الذي لم يعلق حتى الآن على هذا التحرك الذي يهدف إلى إزاحته من منصبه.
الصمت الذي التزم به الدبيبة وحكومته، باستثناء نفي نائبه، وزير الصحة رمضان أبو جناح، للشائعات حول ترشحه لرئاسة الحكومة المقبلة، أثار تكهنات بين المراقبين. فهل يعود هذا الصمت لتعويل الدبيبة على فشل مجلس النواب في تشكيل حكومة تحظى بتوافق القوى السياسية والمسلحة، أم أنه ينتظر حدوث معجزة سياسية تغير مجرى الأحداث؟
الشركسي: الدبيبة يستفيد من الفجوة بين مجلسي النواب والدولة
في وسط هذا المشهد المعقد، يأتي تصريح لـ أحمد الشركسي، عضو ملتقى الحوار السياسي، الذي يعده الكثيرون بمثابة نافذة على كواليس السياسة الليبية. الشركسي أشار بوضوح في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24“،إلى أن وجود خلاف بين عقيلة صالح ومحمد تكالة، رئيس مجلس الدولة، على آلية تشكيل الحكومة الجديدة، يمنح الدبيبة شعوراً بالأمان المؤقت. “تكالة لم يتفق مع عقيلة صالح على آلية تشكيل حكومة جديدة”، ووصف هذه الخطوة بـ”المنفردة”، مما يعكس عمق الفجوة بين مجلسي النواب والدولة.
تكالة من جانبه، لم يتردد في التعبير عن رفضه لهذه الخطوة، واصفاً إياها بأنها تفتقر إلى الشرعية والتوافق. هذا الموقف يعكس تصاعد الصراع بين عقيلة صالح وتكالة، وهو ما يعزز من احتمالية استمرار حكومة الدبيبة لفترة أطول.
الشركسي: الانتخابات الدورية لمجلس الدولة في أغسطس ستحدد مستقبل الحكومة
منذ شهور، تكررت دعوات مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة موحدة تتولى مهمة إجراء الانتخابات. إلا أن هذه الدعوات لم تجد صدىً واسعاً في ظل التباينات الكبيرة بين مجلسي النواب والدولة. الشركسي يرى أن الوضع سيظل معلقاً لحين إجراء الانتخابات الدورية لرئاسة مجلس الدولة في أغسطس المقبل. هذا الموعد الحاسم قد يحمل في طياته تغييرات جذرية على الساحة السياسية، خاصة إذا أعيد انتخاب تكالة، المعروف بتقاربه مع سياسات الدبيبة.
من جهة أخرى، إذا فازت شخصية من كتلة “التوافق الوطني” بمجلس الدولة، التي تتوافق مع توجهات مجلس النواب، فقد تكون هناك إمكانية لتفعيل دعوة تشكيل حكومة جديدة. الشركسي يرى أن هذا السيناريو سيعزز من فرص التوصل إلى توافق سياسي، خاصة إذا دعمت البعثة الأممية هذه الجهود.
على الصعيد السياسي، يمكن القول إن معركة تشكيل حكومة جديدة أصبحت تتجاوز حدود السياسة لتصبح معركة شخصية بين عقيلة صالح وتكالة، ومن خلفهما الدبيبة. هذا الصراع يعكس تعقيدات المشهد الليبي، حيث تتشابك المصالح والأهداف بين الأطراف المختلفة.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبقى السؤال: هل سيتمكن مجلس النواب من تشكيل حكومة جديدة تحظى بتوافق الأطراف السياسية والمسلحة؟ أم أن الخلافات المستمرة ستطيل أمد حكومة الدبيبة؟ الإجابة على هذا السؤال تظل مرهونة بتطورات الأسابيع المقبلة، وتحديداً بما سيحدث في انتخابات مجلس الدولة في أغسطس.
بختام هذا المقال، يبقى أن نؤكد أن الساحة الليبية تقف على مفترق طرق حاسم. إما أن تتجه نحو تشكيل حكومة جديدة تعيد الأمل في تحقيق الاستقرار السياسي، أو أن تستمر في دوامة الخلافات والصراعات التي تعصف بمستقبل البلاد. وفي كلتا الحالتين، يبقى الأمل معقوداً على حكمة ورؤية السياسيين الليبيين في تجاوز هذه المرحلة الحرجة وتحقيق التوافق الوطني.