أعربت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، عن قلقها واستياءها الشديدين، حيال التعميم الصادر عن مصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب بوزارة الداخلية ب حكومة الدبيبة منتهية الولاية تحت الرقم الإشاري (6296 / ع.ع.خ 7 – 10) بتاريخ 7 أغسطس 2024، والذي يفرض قيودًا صارمة على المواطنين الليبيين، مانعًا تجديد جوازات السفر بدل الفاقد والتالف إلا بعد مضي سنة كاملة، وذلك بناءً على توجيهات عماد الطرابلسي وزير الداخلية المكلف. هذا القرار الذي لم يأخذ في الاعتبار الحالات الإنسانية الطارئة مثل المرضى، المعاقين، النازحين، أو الذين فقدوا جوازاتهم بسبب ظروف قهرية كالحريق أو السرقة، أثار موجة من الغضب والاستنكار بين المواطنين والمنظمات الحقوقية.
منذ الإعلان عن التعميم، تصاعدت الأصوات المطالبة بإلغائه، نظرًا لما يشكله من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وحرية التنقل التي تكفلها الدساتير والقوانين الوطنية والدولية. وأشارت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلى أن هذا القرار يتعارض بشكل مباشر مع المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (12) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي تكفل حق كل فرد في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده الأصلي، والعودة إليه.
لم يقتصر الانتقاد على الأسس القانونية فقط، بل تعداها إلى الإشارة إلى العواقب الإنسانية والاجتماعية الكارثية التي قد تترتب على هذا القرار. فحرمان المواطنين من تجديد جوازات سفرهم يهدد بإغلاق الأبواب أمام المرضى الذين يحتاجون للعلاج في الخارج، والطلاب الذين يتابعون دراستهم في جامعات دولية، والموظفين العاملين في الخارج، وغيرهم من الفئات التي لا يمكن تجاهل حقوقها الأساسية.
وقد أصدرت لمؤسسة في بيان لها عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ورصدته “أخبار ليبيا 24″، نددت فيه بهذا القرار، مؤكدة أنه يمثل “أسوأ أشكال الانتهاك والمصادرة لحقوق المواطنة وحقوق الإنسان والحريات العامة”، وأنه يشكل انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان ولسيادة القانون. كما اعتبرت المؤسسة هذا الإجراء التعسفي تقويضًا للحقوق المكفولة في الإعلان الدستوري المؤقت، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والذي يتيح لكل شخص مغادرة أي بلد دونما أي قيود أو شروط تعسفية.
وتناولت المؤسسة في بيانها التناقض الصارخ بين القرار والتشريعات النافذة، حيث أشارت إلى أن المادة (24) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم (4) لسنة 1985 بشأن مستندات السفر تستثني بشكل واضح فئات معينة من القيود المفروضة على استخراج جوازات السفر، ومن بين هذه الفئات: الموفدون في مهام رسمية، الدارسون في الخارج، والمواطنون الذين يحتاجون للسفر للعلاج. تجاهل هذه الاستثناءات في القرار الأخير يعكس افتقارًا واضحًا للإنسانية والتعاطف مع الحالات الطارئة، ويؤكد الطبيعة التعسفية لهذا الإجراء.
الآثار المحتملة لهذا القرار لا تقتصر على تعطيل حياة المواطنين وحسب، بل قد تؤدي إلى مآسي إنسانية كبيرة. فحرمان مريض من السفر لتلقي العلاج قد يعرض حياته للخطر، وحرمان طالب من متابعة دراسته قد يدمر مستقبله. إضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا الإجراء إلى زيادة التوتر الاجتماعي في البلاد، حيث يشعر المواطنون بأن حقوقهم الأساسية تُنتهك دون مبرر قانوني أو إنساني.
في هذا السياق، دعت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا وزارة الداخلية إلى العدول فورًا عن هذا القرار، مشددة على ضرورة احترام حقوق المواطنين في حرية التنقل والسفر، والتي يجب أن تكون مكفولة للجميع دون استثناء. كما حثت المؤسسة المواطنين الذين تضرروا من هذا الإجراء على رفع دعاوى قضائية ضد وزير الداخلية، للمطالبة بحقوقهم والدفاع عنها.
يأتي هذا البيان في وقت تشهد فيه ليبيا توترات سياسية وأمنية واقتصادية كبيرة، وهو ما يزيد من أهمية حماية حقوق الإنسان والحفاظ على سيادة القانون في هذه المرحلة الحرجة. إن استمرار مثل هذه القرارات التعسفية من شأنه أن يعمق الانقسامات في المجتمع الليبي، ويزيد من معاناة المواطنين الذين يعانون بالفعل من ظروف صعبة.
ختامًا، تؤكد المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أن حماية حقوق الإنسان ليست خيارًا يمكن التلاعب به أو تجاهله، بل هي التزام دستوري وأخلاقي يجب على جميع السلطات احترامه والالتزام به. ويجب أن تكون حرية التنقل والسفر حقًا أصيلًا لكل مواطن، وليس امتيازًا يمكن سحبه أو تقييده بقرارات ارتجالية غير مدروسة.
في ظل هذه الظروف، يبقى الأمل في أن تستجيب السلطات الليبية لهذا النداء الحقوقي والإنساني، وأن تعيد النظر في هذا القرار الجائر الذي يهدد بانتهاك حقوق آلاف المواطنين، وأن تتخذ الخطوات اللازمة لحماية حقوقهم وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل.
