قرار الرئاسي بتعيين الشكري محافظًا لمصرف ليبيا المركزي: بين التحديات الاقتصادية والصراعات السياسية
في خطوة تحمل الكثير من التداعيات السياسية والاقتصادية، قرر المجلس الرئاسي تسمية محمد الشكري محافظًا جديدًا لمصرف ليبيا المركزي، مع إعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف. هذا القرار الذي جاء في وقت يشهد فيه المشهد الليبي حالة من الجمود السياسي والانقسام الحاد، أثار ردود فعل متباينة، تنوعت بين التأييد والرفض والتحذير من تبعاته على الاستقرار الاقتصادي والمالي للبلاد.
تحديات اقتصادية وخلافات سياسية: تداعيات القرار
منذ إعلان القرار، تصاعدت حدة الخلافات بين مختلف الأطراف السياسية في البلاد، معبرين عن مخاوفهم من أن يؤدي هذا التغيير إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها ليبيا منذ سنوات. رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، كان من بين أول المنتقدين للقرار، مؤكدًا أن “المساس بمحافظ المصرف المركزي في هذا التوقيت هو عمل ضار بالاقتصاد الليبي”، محذرًا من أن هذا التغيير قد يؤدي إلى تجميد أرصدة ليبيا في الخارج، وتعطيل منظومة السويفت، مما قد يساهم في انهيار العملة المحلية.
هذا الرأي وجد صداه لدى العديد من أعضاء مجلس النواب ، الذين رأوا في قرار المجلس الرئاسي تجاوزًا للصلاحيات المنصوص عليها في الاتفاق السياسي. جلال الشويهدي، عضو مجلس النواب، اعتبر أن “القرار الصادر عن الرئاسي هو قرار من غير ذي صفة”، مشيرًا إلى أن تغيير المحافظ هو من اختصاص مجلسي النواب والدولة.
دعم واستمرارية: الكبير والمحافظة على الاستقرار المالي
في المقابل، أكد الصديق الكبير، محافظ مصرف ليبيا المركزي الحالي، استمراره في أداء مهامه، وسط دعم دولي من قوى كبرى كالمملكة المتحدة والولايات المتحدة. فقد أجرى الكبير اجتماعًا مع السفير البريطاني في ليبيا، مارتن لونغدين، تناول فيهما التهديدات المتزايدة التي طالت أمن المصرف المركزي واستقراره، مع تأكيد السفير على “دعم المملكة المتحدة الكامل لمصرف ليبيا المركزي في دوره البارز في الحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي”.
هذا الدعم الدولي يعكس مدى أهمية المحافظة على استقرار المؤسسات المالية في ليبيا، خاصة في ظل الظروف الراهنة. فالكبير لعب دورًا رئيسيًا في الحفاظ على الاستدامة المالية، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها البلاد.
انتقادات للقرار: تجاوز الصلاحيات أم تصحيح المسار؟
قرار الرئاسي لم يلقَ قبولاً لدى عدد كبير من النواب وأعضاء مجلس الدولة، الذين اعتبروا أن هذا القرار يعد تجاوزًا لصلاحيات المجلس الرئاسي. عضو مجلس الدولة، سعد بن شرادة، أكد أن “قرار تغيير محافظ المصرف المركزي صدر من جهة غير ذات اختصاص”، مشيرًا إلى أن الاتفاق السياسي المنبثق عنه المجلس الرئاسي نص على أن تغيير المناصب السيادية هو اختصاص أصيل لمجلس النواب بالتشاور مع مجلس الدولة.
وفي السياق نفسه، وصف بلقاسم قزيط، عضو مجلس الدولة، القرار بأنه “صفقة يريد الرئاسي تمريرها بفوهات البنادق”، معتبرًا أن “الاستيلاء على المصرف المركزي بهذه الطريقة يعد انقلابًا مصرفيًا على غرار الانقلابات العسكرية”.
من جانبه، أشار عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي إلى أن “قرار تعيين الشكري صدر منذ أربع سنوات ولم يُنفذ، وما زال الصديق الكبير محافظًا للمصرف ومرعي البرعصي نائبًا له”. هذا التصريح يعكس الانقسام داخل مجلس النواب نفسه حول ضرورة تغيير المحافظ الحالي من عدمه.
مواقف متباينة: بين تأييد التغيير والدعوة للتوافق
بينما تزايدت الانتقادات للقرار، ظهرت أيضًا بعض الدعوات للتفكير في المصلحة العليا للبلاد بعيدًا عن الصراعات السياسية. فالنائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، أكد على ضرورة “ألا يبقى مصرف ليبيا المركزي مركز صراع واستقطاب بين السياسيين”، مشيرًا إلى أن “استكمال مجلس إدارة المصرف قد يساعد على تجاوز الأزمة الحالية”.
من جانبه، أشار عضو مجلس النواب عيسى العريبي إلى أن “المجلس الرئاسي أصدر قرارات وفشل في اللجنة المالية العليا”، معتبرًا أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى “إرباك المشهد أكثر مما هو عليه”. ودعا إلى ضرورة التفكير في تشكيل مجلس رئاسي جديد بالتنسيق مع القوى الأمنية والعسكرية على الأرض لتوحيد الجيش وحماية الحدود.
تحذيرات من التبعات الاقتصادية: انهيار العملة وتجميد الأرصدة
وسط هذه الصراعات السياسية، تظل المخاوف الاقتصادية في مقدمة التحديات التي تواجه البلاد. فقد حذر عدد من النواب من أن المساس بالمصرف المركزي قد يؤدي إلى “انهيار العملة المحلية” وتجميد أرصدة ليبيا في الخارج. هذه المخاوف تعكس حجم التحديات التي قد تترتب على أي تغيير غير مدروس في المؤسسات المالية.
بدر نحيب، عضو مجلس النواب، وصف القرار بأنه “قفزة في الهواء وورقة ضغط فقط”، مؤكدًا أن “الرئاسي يعلم جيدًا أنه لا يستطيع تنحية الكبير ولن يحدث شيء”. هذا الرأي يعكس حالة من الشكوك حول مدى جدوى هذا القرار، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد.
التوافق الدولي والمحلي: نحو حل يضمن استقرار ليبيا
في ظل هذه التعقيدات، تتزايد الدعوات لضرورة العودة إلى طاولة الحوار والتوافق بين مختلف الأطراف السياسية في ليبيا. المتحدث السابق باسم مجلس الدولة السنوسي إسماعيل، أكد على أهمية “عودة كل مؤسسة إلى مبدأ التوافق، وتجنب الإجراءات الأحادية الفردية”، محذرًا من أن التوتر السائد حاليًا قد يؤدي إلى “نزاع مسلح يهدد الأمن والاستقرار الهشين في البلاد”.
الدعم الدولي لاستمرار الكبير في منصبه يعكس أهمية الحفاظ على استقرار المؤسسات المالية في ليبيا. ففي وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تحديات كبيرة، يصبح استقرار المؤسسات المالية الليبية أمرًا حيويًا للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد.
آفاق المستقبل
تظل ليبيا بحاجة إلى توافق سياسي يضمن استقرار البلاد، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها. قرار الرئاسي بتعيين الشكري محافظًا جديدًا لمصرف ليبيا المركزي قد يكون محاولة لتعزيز النفوذ، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام العديد من التحديات التي قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة.
التوافق بين مختلف الأطراف السياسية، وضرورة الالتزام بالاتفاقات السياسية والدستورية، هو السبيل الوحيد لضمان استقرار ليبيا، والحفاظ على مقدراتها المالية والاقتصادية. في هذا السياق، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية تحقيق هذا التوافق في ظل الانقسامات السياسية الحادة التي تشهدها البلاد.