التوافق الوطني.. خطوة نحو إعادة الاستقرار السياسي في ليبيا
في خطوة تعكس محاولة جديدة لإعادة الاستقرار السياسي إلى ليبيا، أتى انتخاب النائبين الأول والثاني لرئاسة المجلس الأعلى للدولة كإشارة إيجابية نحو تعزيز التعاون بين المؤسسات السياسية في البلاد. رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، لم يتوانَ عن التعبير عن ترحيبه بهذه الخطوة، مؤكدًا أن التئام مجلس الدولة والعمل بتوافق مع مجلس النواب سيفتح آفاقًا جديدة لحل الأزمة الليبية والوصول إلى استحقاقات انتخابية حاسمة.
منذ فترة طويلة، كانت الساحة الليبية مسرحًا للصراعات الداخلية والخلافات السياسية التي عطلت مسار الاستقرار والتنمية. اليوم، تأتي هذه التحركات لتعيد الأمل في قلوب الليبيين بقدرة قادتهم على تجاوز الخلافات والعمل من أجل مصلحة الوطن.
بلقاسم قزيط، عضو مجلس الدولة، كان واضحًا في نقده لمحمد تكالة، واصفًا إياه بأنه “ليس أكثر من مخلب قط لحكومة الدبيبة” وأنه اختار “أن يكون في الجانب الخطأ من التاريخ”. تصريحات قزيط تعكس حالة من الاحتقان داخل المجلس، لكنها تشير أيضًا إلى رغبة قوية في إعادة بناء مجلس الدولة كما حدث بعد اتفاق الصخيرات، وبناء شراكة مع كافة المؤسسات الوطنية من أجل إعادة اللحمة إلى الصفوف السياسية.
هذه الدعوات لإعادة الترميم والبناء ليست جديدة، لكنها تأتي في وقت حساس يتطلب من جميع الأطراف الليبية التكاتف لتفادي المزيد من الانقسامات. كتلة التوافق الوطني داخل المجلس الأعلى للدولة، من جانبها، أكدت على أهمية الوحدة الوطنية والحفاظ على وحدة المجلس واستكمال انتخاباته كمؤشر على الحس الوطني والمسؤولية التي تتحملها القيادة الليبية في هذه المرحلة الحرجة.
التحديات التي تواجه ليبيا ليست بسيطة. الانقسامات السياسية والخلافات حول السلطة والسيادة تسببت في حالة من الجمود السياسي التي حالت دون تحقيق أي تقدم يذكر على صعيد حل الأزمة الليبية. ومع ذلك، فإن الدعوات المتكررة للحوار والتوافق الوطني تعكس رغبة واضحة في الوصول إلى حلول جذرية تنهي الانقسامات وتوحد المؤسسات السيادية في البلاد.
57 عضوًا بمجلس النواب، أصدرو بيانًا يبارك انتخاب نائبي رئيس مجلس الدولة، ويدعو إلى استكمال الحوار لتشكيل حكومة موحدة والوصول إلى الانتخابات. هذه الدعوات جاءت مصحوبة بتأكيدات على ضرورة تحمل المجلسين مسؤولياتهما في تحقيق مصالح الشعب الليبي، والجلوس إلى طاولة الحوار بشكل رسمي وموسع للتوصل إلى تفاهمات تساهم في الخروج من الأزمة.
الائتلاف الوطني لأبناء ليبيا، في بيانه، دعا المجلس الأعلى للدولة إلى التمسك بالاستحقاقات والقوانين السياسية، مشددًا على أن أي محاولات للانقلاب على نتائج الانتخابات أو تعطيلها ستؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار السياسي وتفاقم حالة الانقسام.
من ناحية أخرى، تنسيقية العمل الوطني في بني وليد أشادت بانعقاد جلسة المجلس الأعلى للدولة بناءً على دعوة رؤساء اللجان الدائمة، وأكدت على أهمية الاستمرار في نهج التوافق الوطني واتخاذ خطوات جدية نحو توحيد السلطة التنفيذية وإعادة النظر في المناصب السيادية.
إذا كانت ليبيا تريد أن تتجاوز الأزمات التي تعصف بها، فلا بد من العمل على إعادة بناء الثقة بين جميع الأطراف السياسية. التوافق الذي شهده المجلس الأعلى للدولة في انتخاب نائبي الرئيس يمثل خطوة في هذا الاتجاه، لكنه لا يزال بعيدًا عن الحل النهائي. يتطلب الأمر المزيد من الجهود والتنازلات من جميع الأطراف لتحقيق الهدف الأسمى وهو استقرار ليبيا ووحدتها.
الدعوات إلى الحوار الوطني والتوافق ليست مجرد شعارات، بل هي حاجة ملحة لتحقيق السلام والاستقرار في البلاد. إن تجاوز العقبات الحالية يتطلب من جميع القادة السياسيين التحلي بالحكمة والشجاعة لاتخاذ قرارات تاريخية تساهم في بناء مستقبل أفضل للشعب الليبي.
عقيلة صالح، في كلمته، دعا رئيس مجلس الدولة خالد المشري للوصول إلى تقاربات وتوافقات مع مجلس النواب تفضي لحلحلة الأزمة والوصول إلى الاستحقاق الانتخابي واستقرار البلاد. هذه الدعوة تعكس رغبة صادقة في تجاوز الخلافات وإعلاء مصلحة الوطن على المصالح الشخصية والفئوية.
إن التئام المجلسين، الأعلى للدولة والنواب، في هذا الظرف الحساس، يمثل بارقة أمل في أن ليبيا قادرة على تجاوز أزماتها وبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. العمل على توحيد المؤسسات السيادية وتشكيل حكومة موحدة يجب أن يكون الهدف الرئيسي للجميع، دون استثناء.
المستقبل يتطلب منا جميعًا التكاتف والعمل بروح الفريق من أجل إعادة بناء ليبيا وتحقيق طموحات شعبها في الحرية والديمقراطية والازدهار.