في لحظة حاسمة من مسيرة ليبيا نحو الاستقرار والديمقراطية، تقدمت لجنة “6+6″، المشتركة بين مجلسي النواب و”الدولة”، ببيان يحمل في طياته رغبة واضحة في تحقيق تقدم ملموس على صعيد الانتخابات القادمة، ويأتي في إطار استجابة اللجنة لبيان مجلس الأمن الدولي الأخير، الذي شدد على ضرورة المضي قدمًا في العملية الانتخابية بوصفها مخرجًا أساسيًا للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد.
إن دعوة اللجنة لتشكيل حكومة جديدة تشرف على الانتخابات دون أن تكون طرفًا فيها، تعكس فهمًا عميقًا للحاجة إلى فصل السلطات وتحييد الحكومة التنفيذية عن العملية الانتخابية، وذلك لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات المقبلة. هذه الخطوة تعد بمثابة حجر الزاوية في تأكيد الالتزام الوطني بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، يمكن أن تكون قادرة على إنقاذ البلاد من حالة الجمود السياسي المستمر.
وبالنظر إلى التاريخ الحديث للأزمة الليبية، يمكننا أن نرى أن تشكيل حكومة جديدة مستقلة عن المشهد السياسي الحالي، سيكون له أثر إيجابي كبير على مستوى الثقة لدى الناخبين، ويعزز من فرص نجاح العملية الانتخابية. لقد أثبتت التجارب السابقة أن إشراف الحكومات الحالية، التي غالبًا ما تكون جزءًا من الانقسام السياسي، على الانتخابات قد يؤدي إلى تزايد الشكوك حول نزاهتها، مما يقلل من الإقبال الشعبي ويعرقل التقدم المنشود.
لكن هذا التوجه لم يكن بدون عوائق، إذ أشار بيان لجنة “6+6” إلى تقديمهم ملحقًا لمقترح خارطة طريق لتنفيذ القوانين الانتخابية المعتمدة من المجلسين، مشيرين إلى أن هذه الخارطة تضمنت ملاحظات بناءة تهدف إلى تحسين العملية الانتخابية وتسهيل تنفيذها على أرض الواقع. ولكن للأسف، كانت هناك محاولات واضحة لعرقلة تنفيذ هذا المقترح، مما يعكس تحديات متعددة لا تزال تواجهها اللجنة في مساعيها لتحقيق التوافق بين الأطراف المختلفة.
لقد عبّرت اللجنة عن أسفها تجاه هذه العرقلة، مؤكدة على استعدادها الدائم للتواصل والاجتماع مع جميع الأطراف المعنية في أي وقت يرونه ضروريًا. هذا الموقف يُظهر مدى المرونة والاستعداد للتعاون الذي تتمتع به اللجنة، وهي خطوة إيجابية في اتجاه تعزيز الحوار الوطني والتفاهم بين جميع الفرقاء السياسيين.
تتطلع لجنة “6+6” إلى أن تكون الخطوات القادمة أكثر انسجامًا وتعاونًا بين كافة الأطراف، وأن تكون هناك استجابة إيجابية لنداءاتها المتكررة من أجل توحيد الجهود والمضي قدمًا نحو تحقيق الاستحقاق الانتخابي. فالتحديات التي تواجه ليبيا لا تحتمل المزيد من التأخير، والوقت قد حان لاتخاذ قرارات جريئة من شأنها أن تدفع بالبلاد نحو مستقبل أفضل.
من الواضح أن الليبيين بمختلف أطيافهم، يتطلعون إلى مرحلة جديدة تكون فيها الانتخابات هي الساحة التي تعبر من خلالها الإرادة الشعبية عن تطلعاتها نحو الاستقرار والأمان. والنجاح في تحقيق ذلك يتطلب تضافر جهود الجميع وتجاوز الخلافات السياسية التي طال أمدها، والابتعاد عن المصالح الشخصية أو الفئوية.
إن لجنة “6+6” تدرك تمامًا أهمية الوقت الحالي كفرصة ذهبية لا يجب تفويتها لتحقيق نقلة نوعية في المشهد السياسي الليبي. ومن هنا، يأتي ترحيبها ببيان مجلس الأمن الدولي ليكون بمثابة دعوة لكافة الأطراف لتغليب مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. فالمجتمع الدولي ينتظر من ليبيا أن تكون نموذجًا في التغيير السلمي والديمقراطي، بعيدًا عن العنف والصراعات التي أنهكت الشعب الليبي وجعلته يتوق للسلام والاستقرار.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا هو: هل ستكون الأطراف الليبية على قدر المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها؟ هل ستتمكن من تجاوز الخلافات والجلوس إلى طاولة الحوار للوصول إلى حل يضمن إجراء انتخابات نزيهة وشفافة؟
هذه التساؤلات تضع الجميع أمام مسؤولية أخلاقية ووطنية، وتتطلب من الجميع إظهار قدر كبير من الحكمة والمرونة في التعاطي مع هذه المرحلة الحرجة.
في الختام، يبدو أن ليبيا تقف على مفترق طرق حاسم، حيث يمكن أن تكون الانتخابات المقبلة نقطة تحول مهمة في تاريخها. وفي ظل هذه الظروف، يصبح الدور الذي تلعبه لجنة “6+6” محوريًا في تحقيق هذا التحول. فمن خلال الدعوة إلى تشكيل حكومة جديدة، والتأكيد على استعدادها للاجتماع والتفاوض، تعطي اللجنة إشارة واضحة إلى التزامها العميق بتحقيق تطلعات الشعب الليبي في الاستقرار والديمقراطية.
لذا، فإن الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار الأحداث، وستكون العيون مسلطة على الأطراف السياسية لتعرف ما إذا كانت ستمضي قدمًا نحو السلام والاستقرار، أم أنها ستظل رهينة للمصالح الضيقة والانقسامات التي لا تخدم مستقبل ليبيا وشعبها.