ليبيا الان

محادثات حاسمة لإعادة ثقة الليبيين والدوليين في المصرف المركزي

مصدر الخبر / اخبار ليبيا 24

في ظل الأزمة التي تجتاح ليبيا من كل جانب، وتلقي بظلالها على كل مفصل من مفاصل الحياة، يأتي ملف مصرف ليبيا المركزي ليكون أحد الملفات الأكثر تعقيدًا وحساسية، خاصة في ظل الانقسام السياسي الحاد الذي يعاني منه البلد منذ سنوات. وفي محاولة جديدة لتفكيك هذا التعقيد، شهد مقر بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا جلسات مكثفة من الحوار ضم ممثلين عن مجلس النواب ومجلس الدولة، دون أن تشارك فيها ممثلين عن المجلس الرئاسي بشكل مباشر. فقد كانت هذه الاجتماعات بمثابة نقطة ضوء في مسار مليء بالمتاهات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

استمرت الاجتماعات من صباح يوم الاثنين حتى ساعات متأخرة من الليل، حيث تميزت هذه الجلسات بالصراحة والجدية، في مسعى لتحقيق تفاهمات حول مستقبل المصرف المركزي الذي يُعد أحد أهم المؤسسات الحيوية في البلاد. لم يكن الحديث يدور فقط حول شخصية المحافظ الجديد، بل كانت النقاشات تشمل أيضًا سبل استعادة ثقة الشعب الليبي والشركاء الدوليين في هذه المؤسسة التي تمثل العمود الفقري للسياسة المالية والاقتصادية للبلاد.

لعبت البعثة الأممية دور المراقب في هذا الاجتماع، حيث أشارت مصادر عدة إلى أنها لم تتدخل في مجريات النقاشات أو القرارات التي تمخضت عنها الاجتماعات. الهادي الصغير، عضو مجلس النواب، أكد خلال تصريحاته لوسائل الإعلام المحلية أن البعثة الأممية كانت موجودة كمراقب فقط، وليس لها أي علاقة مباشرة بالاتفاقات التي جرت بين مجلسي النواب والدولة. وأوضح الصغير في تصريحات تلفزيونية تابعتها “أخبار ليبيا 24″، أن هذه الاجتماعات لم تكن تقتصر على النقاش حول شخصية المحافظ فقط، بل تضمنت الحديث عن كيفية إدارة المصرف المركزي في المرحلة القادمة، بما يشمل المحافظ الجديد ولجنة تدير العمليات المالية للمصرف لفترة زمنية محددة.

ما يُعتبر جديدًا في هذه الاجتماعات هو التوافق النادر الذي تم بين مجلسي النواب والدولة حول هذا الملف الشائك. فقد أكد الصغير أن هذا التوافق يُعد الأول من نوعه منذ فترة طويلة، مشيرًا إلى أن المجلسين تمكنا من وضع خلافاتهما جانبًا والعمل بشكل مشترك للخروج بحل للأزمة المالية التي تشلّ حركة الاقتصاد الليبي. وأضاف أن هذه التنازلات من جميع الأطراف كانت ضرورية للوصول إلى نقطة توافق، مؤكدًا أن الكلمات الأخيرة بشأن هذا الملف ستكون للاتفاق المكتوب الذي سيتم توقيعه في اليوم التالي.

لكن، وعلى الرغم من هذا التوافق الظاهر، فإن الأزمة لا تزال تحمل في طياتها الكثير من التحديات. فالنزاع حول إدارة المصرف المركزي ليس مجرد نزاع داخلي بين الأطراف الليبية، بل يتداخل فيه الكثير من الأطراف الخارجية التي لديها مصالح استراتيجية واقتصادية في ليبيا.

علي الصول، عضو مجلس النواب، أشار إلى أن تدخلات دولية عدة تلعب دورًا في هذا النزاع، وأن هذه التدخلات تسعى إلى فرض أمر واقع جديد يخدم مصالحها على حساب الاستقرار الداخلي لليبيا. واعتبر الصول أن ما قام به المجلس الرئاسي بتحالفه مع حكومة عبد الحميد الدبيبة لاستبدال المحافظ الكبير، هو تصرف غير قانوني ويتجاهل تمامًا الإعلان الدستوري والقوانين الليبية.

وفي ذات السياق، جاءت تصريحات أمينة المحجوب، عضو مجلس الدولة وعضو المؤتمر العام منذ عام 2012، لتسلط الضوء على دور البعثة الأممية في هذا الملف. فقد أكدت المحجوب أن تعيين محافظ مصرف ليبيا المركزي هو شأن داخلي بحت، ولا يجب أن تتدخل فيه البعثة بأي شكل من الأشكال. وأشارت إلى أن دور البعثة يجب أن يقتصر على حل النزاعات السياسية بين الأطراف الليبية، دون أن يكون لها أي تدخل في تعيين الأشخاص أو اتخاذ القرارات المتعلقة بالشؤون السيادية للدولة. وأضافت أن البعثة اقترحت إعادة تعيين المحافظ الصديق الكبير لمدة شهر، وهو ما رفضته الأطراف الليبية بشدة، معتبرة أن هذا المقترح يخدم مصالح معينة للبعثة.

مع هذا كله، يبدو أن التحدي الأكبر الذي يواجه ليبيا اليوم هو كيفية استعادة الثقة في مؤسساتها السيادية. فمصرف ليبيا المركزي، الذي يُعد الركيزة الأساسية للاقتصاد الليبي، يعاني من حالة شلل شبه كامل بسبب هذا النزاع. ومن المتوقع أن تستمر هذه الأزمة في التأثير على المعاملات الدولية لليبيا، خاصة في ظل غياب التوافق حول إدارة هذه المؤسسة الحيوية. فقد أشار المختار الجديد، المحلل الاقتصادي، إلى أن المصرف المركزي اليوم يُدار من قبل شخص واحد يحمل صفة “النائب الثاني للمحافظ”، وهي صفة لا وجود لها في القانون الليبي. وأوضح الجديد أن هذا الوضع غير القانوني يُعد أحد الأسباب الرئيسية في تفاقم الأزمة الاقتصادية، وأن الحل لن يكون فقط في تعيين محافظ جديد، بل في إعادة هيكلة الإدارة بشكل كامل.

وفي ختام هذه الاجتماعات الحاسمة، ينتظر الجميع اليوم التالي الذي سيشهد التوقيع الرسمي على الاتفاقات التي تم التوصل إليها. فالأطراف الليبية تعقد آمالاً كبيرة على هذا التوقيع ليكون بداية لحل الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد. ولكن يبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن هذه الاتفاقات من الصمود في وجه الضغوط الداخلية والخارجية؟ وهل ستحقق المؤسسات الليبية السيادية الاستقلالية التي تحتاجها لتقديم خدماتها للشعب الليبي بعيدًا عن التدخلات الدولية والمحلية؟

ما هو واضح حتى الآن هو أن هذه الاجتماعات، رغم أهميتها، ليست سوى خطوة أولى في مسار طويل ومعقد. فالتحديات القادمة ستكون أكبر وأصعب، خاصة إذا لم يتمكن الليبيون من توحيد جهودهم وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية والسياسية الضيقة.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من اخبار ليبيا 24

عن مصدر الخبر

اخبار ليبيا 24