في خطوة تصعيدية جديدة، شهدت العاصمة الليبية طرابلس إغلاق طريق المطار من قبل مجموعة من الشباب المحتجين الذين لم يجدوا وسيلة أخرى للتعبير عن غضبهم سوى غلق هذا الطريق الحيوي. جاء هذا التصعيد نتيجة للاستمرار المفرط في طرح الأحمال الكهربائية على مناطق محددة في طرابلس، خاصة في محيط طريق المطار، بينما تنعم الأحياء الأخرى في وسط المدينة بإمدادات كهربائية أكثر استقرارًا.
تفاصيل هذه الاحتجاجات تكشف عن غضب شعبي متصاعد يعكس حجم المعاناة اليومية التي يعيشها المواطنون. أحد المحتجين في المنطقة، والذي فضل عدم ذكر اسمه، قال إن “الأوضاع لم تعد تطاق، فالانقطاع المتكرر للكهرباء يحرمنا من أساسيات الحياة، في الوقت الذي تنعم فيه بعض المناطق بالكهرباء طوال اليوم.” مشهد الاحتجاجات في طرابلس لا يعكس فقط انعدام الثقة بين المواطنين والسلطات، بل يعكس أيضًا الفجوة الكبيرة بين مختلف أحياء المدينة من حيث توفير الخدمات الأساسية.
في ظل ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف، يعاني سكان الأحياء المحيطة بطريق المطار من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، مما يزيد من معاناتهم اليومية. في حين أن هذه الأحياء تتحمل الجزء الأكبر من أعباء طرح الأحمال، يبدو أن الأحياء الأخرى في وسط طرابلس تتمتع بوضع أفضل بكثير. هذا التمييز في توزيع الكهرباء أثار غضب السكان في المناطق المتضررة، مما دفعهم إلى الخروج إلى الشوارع والتعبير عن استيائهم بشكل علني.
إغلاق طريق المطار لم يكن مجرد تعبير عن غضب عابر، بل هو رسالة واضحة للسلطات بأن الوضع لم يعد يمكن تحمله. المتظاهرون يرون أن هناك تحيزًا واضحًا في توزيع الكهرباء، حيث تُفضل مناطق معينة على حساب مناطق أخرى. هذه الاحتجاجات التي تشهدها طرابلس اليوم، تمثل ذروة الغضب الشعبي الذي تراكم على مدار شهور من الإحباط والتهميش.
لم تكن طرابلس وحدها على موعد مع الاحتجاجات، فقد شهدت مدينة أوباري جنوب ليبيا تصاعدًا في حدة التوترات بسبب استمرار أزمة الكهرباء. هناك، هدد المحتجون بإغلاق محطة الكهرباء الغازية، التي تعتبر المصدر الرئيسي للطاقة في المنطقة، إذا لم تتخذ السلطات إجراءات سريعة لحل الأزمة. هذا التهديد جاء بعد أن اقتحم المحتجون مقر بلدية أوباري، مطالبين بحل عاجل لأزمة الكهرباء التي باتت تهدد حياتهم اليومية.
إن التهديد بإغلاق محطة الكهرباء الغازية في أوباري يعكس مدى اليأس الذي يشعر به السكان هناك. فمع استمرار الأزمة دون حل، يشعر المواطنون بأنهم في مواجهة مستقبل مظلم، حيث لا توجد بوادر لحل قريب. هذه الأزمة لا تؤثر فقط على حياة الناس اليومية، بل تهدد أيضًا استقرار المنطقة بأكملها، حيث يمكن أن يؤدي استمرار الاحتجاجات إلى تصاعد العنف والفوضى.
في ظل تصاعد الاحتجاجات وتزايد الضغوط على السلطات، بدأت بعض الأصوات تعلو مطالبةً بحلول عاجلة لإنهاء هذه الأزمة. من بين هذه الحلول، يأتي الاقتراح بإعادة توزيع الأحمال الكهربائية بشكل أكثر عدالة بين مختلف الأحياء، لضمان عدم تحمل منطقة واحدة العبء الأكبر من انقطاع الكهرباء.
إضافة إلى ذلك، يرى بعض الخبراء أن الحل الجذري للأزمة يكمن في تطوير البنية التحتية للطاقة في البلاد، من خلال زيادة الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة، وتحديث محطات التوليد الحالية، وتحسين كفاءة توزيع الكهرباء. لكن هذه الحلول تتطلب وقتًا وموارد مالية كبيرة، وهي أمور قد لا تكون متاحة في الوقت الحالي.
من جهة أخرى، تقترح بعض الأطراف ضرورة توحيد المؤسسات المالية في البلاد، وخاصة مصرف ليبيا المركزي، لضمان توفير السيولة اللازمة لتنفيذ مشروعات تطوير البنية التحتية للطاقة. هذا التوحيد يعتبر خطوة أساسية لضمان استقرار الأوضاع الاقتصادية، وتجنب المزيد من الاحتجاجات التي قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني في البلاد.
في النهاية، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن السلطات من احتواء الأزمة قبل أن تتحول إلى كارثة أكبر؟ الجواب على هذا السؤال يعتمد على مدى جدية الحكومة في التعامل مع مطالب المحتجين، ومدى قدرتها على تنفيذ الحلول المقترحة في أسرع وقت ممكن.