شهدت الساحة الليبية مؤخرًا توترات متصاعدة بعد اقتحام مصرف ليبيا المركزي، في واقعة أثارت جدلًا كبيرًا حول تداعياتها السلبية على الاقتصاد الليبي وعلى استقرار الدولة بشكل عام. وفي هذا الإطار، صرّح الصديق الكبير، محافظ مصرف ليبيا المركزي، بأن عبد الفتاح عبد الغفار، الذي يدعي أنه محافظ المصرف، هو في الواقع مُنتحل صفة، مؤكداً أن الإجراءات التي يتخذها عبد الغفار غير قانونية وتشكل تهديداً كبيراً لاستقرار الاقتصاد الليبي.
تسبب اقتحام المصرف المركزي في طرابلس في إضعاف قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية بشكل ملحوظ، مما أدى إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة الضغط على السوق المحلي. ويخشى الخبراء أن يكون هذا التحرك تمهيدًا لاندلاع صراع عسكري جديد بين الفصائل المتنازعة، خصوصًا في ظل حالة الانقسام السياسي الحاد التي تعيشها ليبيا.
إن استمرار هذه الممارسات غير القانونية يهدد بانزلاق البلاد إلى مرحلة من الفوضى المالية والاقتصادية. ويأتي هذا في وقت يعاني فيه المواطن الليبي من تبعات انهيار العملة وزيادة التضخم، مما يجعل الوضع المعيشي أكثر صعوبة مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية بشكل حاد.
من بين التداعيات الأخرى التي حذر منها الصديق الكبير، هو الضرر الكبير الذي لحق بسمعة مصرف ليبيا المركزي على الصعيد الدولي. فقد أشار إلى أن هذه الممارسات غير القانونية أضرت بعلاقات المصرف مع المؤسسات المالية الدولية والبنوك المركزية حول العالم. وقد أدت هذه التطورات إلى تجميد وتعليق العديد من الشراكات مع تلك المؤسسات، مما يهدد بحرمان ليبيا من الدعم المالي والاقتصادي الذي كانت تحظى به في السابق.
إن بناء علاقات وشراكات ناجحة مع المؤسسات الدولية استغرق سنوات من الجهد والعمل، ولكن هذا الاقتحام العنيف يهدد بإنهاء تلك الجهود في وقت حساس تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية خانقة.
كما أن الاقتحام أثر بشكل كبير على إمدادات الغذاء والدواء في السوق الليبي. فقد تسبب في نقص حاد في السلع الأساسية وارتفاع كبير في الأسعار، مما زاد من معاناة المواطنين الذين يعتمدون على تلك الإمدادات بشكل يومي. ويأتي هذا في ظل ارتفاع تكاليف الاستيراد نتيجة لتدهور قيمة الدينار الليبي وانخفاض قدرة المصرف المركزي على دعم التجارة الخارجية.
إن هذه التطورات تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي في ليبيا، حيث يعتمد السوق المحلي بشكل كبير على الواردات. وقد أدت هذه الأزمة إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ما جعل الحلول تزداد تعقيدًا.
وفي خضم هذه الأزمة، أصدر منتدى تطوير القطاع المصرفي بيانًا يعرب فيه عن أسفه لعدم التوصل إلى اتفاق بين المجالس الثلاثة (النواب، الدولة، والرئاسي) بشأن أزمة المصرف المركزي. وأبدى المنتدى تخوفه من تعقيد الأزمة أكثر مع مرور الوقت، محذرًا من مخاطر شراء الأصوات والتأثير على القرارات الهامة، بالإضافة إلى تزايد عمليات التهريب وغسيل الأموال التي قد تؤدي إلى تفاقم الوضع.
اقترح المنتدى استمرار الصديق الكبير أو نائبه في منصب محافظ المصرف المركزي لمدة شهر واحد غير قابل للتمديد، على أن يتم بعدها تعيين محمد الشكري محافظًا جديدًا للمصرف المركزي وفقًا لقرار مجلس النواب. كما اقترح المنتدى فتح باب التشاور بين مجلسي النواب والدولة لتعيين نائب محافظ، بحيث يقدم الشكري قائمة تضم سبعة أعضاء لمجلس إدارة المصرف، لتتم مناقشتها والموافقة عليها بشكل توافقي.
مع استمرار هذه التطورات، يظل مستقبل مصرف ليبيا المركزي غامضًا ومعقدًا. إن الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، بالإضافة إلى التدخلات السياسية والاقتصادية في شؤون المصرف، تجعل من الصعب التوصل إلى حلول جذرية في القريب العاجل. ومع ذلك، يبقى الحوار والتفاوض بين الأطراف المختلفة السبيل الوحيد لتجنب تصعيد الأزمة، وحماية الاقتصاد الليبي من المزيد من الانهيار.
وفي الختام، لا تزال هذه الأزمة تشكل تحديًا كبيرًا للسلطات الليبية، ويتطلب الأمر جهدًا كبيرًا من الجميع للتوصل إلى حلول تُرضي كافة الأطراف وتحفظ استقرار الاقتصاد الوطني. يبقى السؤال الآن: هل سيستطيع الليبيون تجاوز هذه الأزمة وتوحيد صفوفهم لحماية مصالحهم الاقتصادية أم أن البلاد ستواجه مزيدًا من الانقسام والفوضى؟