أعلنت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة عن نجاحها في التوصل إلى اتفاق شامل مع جهاز الردع، يقضي بانسحاب الجهاز من مطار معيتيقة الدولي وتسليم مراكز الاحتجاز الرئيسية إلى سلطة الدولة، تحت إشراف وزارة العدل والهيئات القضائية. ووصفت الحكومة هذه الخطوة بأنها محطة حاسمة في مسار استعادة السيادة على البنية التحتية الحيوية، وبداية لتفكيك ما سمته “الهياكل الأمنية الموازية غير القانونية”.
البيان الحكومي أكد أن الاتفاق لم يكن مجرد إجراء أمني، بل جزء من رؤية أوسع لتثبيت سلطة الدولة وحماية المدنيين من الانزلاق إلى مواجهة مسلحة جديدة في العاصمة، مشيرًا إلى أن التفاهمات الأخيرة أثبتت قدرة الحكومة على الموازنة بين الأدوات السياسية والأمنية والعسكرية من أجل فرض سيطرتها دون الدخول في حرب جديدة داخل طرابلس.
غير أن هذه الرواية الرسمية لم تمنع تصاعد الجدل حول خلفيات الاتفاق وحدود صموده. فعضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب علي التكبالي اعتبر أن ما تحقق لا يرقى إلى طموحات الدبيبة، مشيرًا إلى أن الهدف الحقيقي لرئيس الحكومة لم يكن تعزيز سيطرة الدولة على المرافق السيادية، بل تعزيز نفوذه السياسي والأمني داخل العاصمة. وأوضح التكبالي أن وسطاء مقربين من الدبيبة تدخلوا لتسهيل الاتفاق “حفاظًا على ماء وجهه” بعد فشله في توجيه ضربات مباشرة لمقرات جهاز الردع داخل قاعدة معيتيقة، حيث تتمركز قوات تركية وحاضنة اجتماعية قوية للجهاز، ما جعل أي مواجهة عسكرية محفوفة بالمخاطر.
من جانبه، أكد عضو مجلس النواب حسن الزرقاء أن الاعتماد المستمر من جانب الدبيبة على التشكيلات المسلحة يضعف قدرته على فرض سلطة أمنية حقيقية. واعتبر أن المواجهة الأخيرة مع جهاز الردع، وقبلها مع جهاز دعم الاستقرار، ستجعل الدبيبة رهينًا لمطالب المجموعات المسلحة التي ساندته، سواء القادمة من مصراتة أو الزنتان أو مدن الغرب الليبي، محذرًا من أن تلك التشكيلات قد تنقلب عليه في أي وقت إذا لم يستجب لشروطها.
أما عضو مجلس النواب سعيد امغيب فذهب أبعد من ذلك، إذ شكك في إمكانية صمود الاتفاق أصلًا، واصفًا إياه بأنه “تفاوض على النفوذ وليس على مستقبل الدولة”. وأوضح أن أي تفاهمات خارج مؤسسات الدولة المنتخبة تظل هشة ومؤقتة، وقد تنهار بمجرد تغيّر موازين القوة أو تبدل التحالفات بين التشكيلات المسلحة.
ويشير مراقبون إلى أن الاتفاق الأخير يعكس توازنات دقيقة بين حكومة الوحدة الوطنية والجماعات المسلحة المتحالفة معها، لكنه لا يمثل بالضرورة بداية عملية لإنهاء نفوذ تلك الجماعات على المؤسسات السيادية. فالدبيبة، وفق قراءات سياسية، يسعى إلى استخدام هذه التفاهمات كورقة تفاوضية مع البعثة الأممية والمجتمع الدولي، أكثر من سعيه إلى فرض سيطرة كاملة للدولة على العاصمة.
وبينما ترى الحكومة أن الاتفاق يفتح الباب أمام تفكيك التشكيلات الموازية وإعادة السيادة للمؤسسات، يحذر خصومها من أن هشاشته تكمن في اعتماده على تفاهمات ظرفية مع قوى مسلحة اعتادت تغيير ولاءاتها. وهو ما يضع العاصمة طرابلس أمام معادلة شديدة التعقيد، حيث تظل احتمالات تجدد الصراع قائمة في ظل غياب جيش وطني موحّد قادر على فرض الاستقرار بصورة دائمة.
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا