أثار تصريح المحلل السياسي عز الدين عقيل حول دور البعثة الأممية والولايات المتحدة في تأجيج الأزمة المصرفية في ليبيا الكثير من الجدل. وصف عقيل العبارة المستخدمة في البيانات الرسمية التي أصدرتها كل من البعثة الأممية وسفير الولايات المتحدة في ليبيا، ريتشارد نورلاند، بأنها “خبيثة” ومحاولة متعمدة لإدخال المجلس الرئاسي في خضم المفاوضات المتعلقة بأزمة المصرف المركزي الليبي.
في بيانها الأول، دعت البعثة الأممية إلى إشراك “الأطراف ذوي العلاقة” في مفاوضات حل الأزمة المصرفية. هذه العبارة أثارت استغراب الكثيرين، إذ كان من المتوقع أن يتم تحديد الأطراف المعنية بوضوح وهم مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. ومع ذلك، جاء استخدام هذه العبارة ليفتح المجال أمام المجلس الرئاسي للتدخل في أزمة المصرف المركزي، مما أضاف تعقيدات جديدة للمشهد السياسي والاقتصادي في ليبيا.
ولم تكن البعثة الأممية وحدها التي تبنت هذه الصيغة. ففي اليوم التالي، أصدر السفير الأمريكي نورلاند بيانًا أكد فيه نفس العبارة، مما عزز من الشكوك حول وجود تنسيق بين الولايات المتحدة والبعثة الأممية لإقحام المجلس الرئاسي في الأزمة.
المجلس الرئاسي الليبي، الذي وجد نفسه فجأة جزءًا من المفاوضات، أبدى رغبة في اتخاذ قرارات حاسمة، بما في ذلك إقالة محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير. ولكن هذا التدخل الرئاسي يطرح تساؤلات قانونية ودستورية. يقول عقيل في تصريحاته إن الإجراءات التي اتخذها المجلس الرئاسي تعتبر “خاطئة كليًا” من الناحية الدستورية والقانونية، ما لم تأتِ في إطار حالة طوارئ معلنة.
وتستند هذه الحجة إلى الاعتراف السابق من قبل البعثة الأممية والولايات المتحدة بأن للمجلس الرئاسي حق إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية، مما يمنحه الصلاحيات اللازمة لإقالة محافظ المصرف المركزي. هذا الاعتراف الضمني جاء ليمهد الطريق أمام الرئاسي ليصبح طرفًا رئيسيًا في مفاوضات الأزمة، ولكن في إطار طارئ واستثنائي.
يشير عقيل إلى أن هذه التحركات قد تكون جزءًا من خطة أوسع تهدف إلى استبدال محافظ المصرف الحالي، الصديق الكبير، بشخصية جديدة. وهو أمر يبدو أن البعثة الأممية والولايات المتحدة تتفاوضان عليه حاليًا مع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. بيد أن السؤال الأهم هو: هل سيتمكن المجلس الرئاسي من إقالة الكبير دون أن يواجه تحديات قانونية ودستورية؟
من ناحية دستورية، يعتبر تدخل الرئاسي في أزمة المصرف المركزي، وخاصة إذا كان يهدف إلى إقالة الكبير، خطوة محفوفة بالمخاطر. ذلك لأن الإجراءات المتبعة حتى الآن لا تحظى بغطاء قانوني واضح إلا في إطار حالة طوارئ معلنة. وتبقى هذه النقطة محل جدل قانوني بين مختلف الأطراف السياسية في ليبيا.
لكن في المقابل، قد يرى البعض أن هذا التدخل يمثل ضرورة قصوى في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد، وأن تدخل الرئاسي يمكن أن يكون حلاً مؤقتًا لتفادي انهيار النظام المصرفي والمالي.
في ظل هذا التعقيد، يبدو أن البعثة الأممية والولايات المتحدة قد تجاوزتا مرحلة النقاش حول شرعية تدخل الرئاسي، وبدأتا في التركيز على مسألة “كيفية” اختيار محافظ جديد للمصرف المركزي الليبي. يشير عقيل إلى أن هذا الأمر أصبح الآن محور المفاوضات بين البعثة الأممية ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.
وبينما تتركز الأنظار على هذه المفاوضات، يبقى السؤال المطروح: هل سيتمكن الرئاسي من تحقيق هدفه في استبدال الكبير دون أن يتسبب ذلك في تصعيد جديد للأزمة؟
تلعب الأمم المتحدة والولايات المتحدة أدوارًا محورية في تحديد معالم الأزمة السياسية والاقتصادية في ليبيا. ورغم الجهود المعلنة لتخفيف التوترات وحل النزاعات، إلا أن استخدام العبارات الغامضة من قبل هذه الأطراف يثير الشكوك حول نواياها الحقيقية. فعبارة “الأطراف ذوي العلاقة” التي أثارتها البعثة الأممية أصبحت اليوم محورًا للجدل السياسي والقانوني في ليبيا، خاصة بعدما تبنتها الولايات المتحدة في تصريحاتها.
ومن هذا المنطلق، يبدو أن السياسة الخارجية لا تزال تلعب دورًا كبيرًا في توجيه الأزمة، وأن المجلس الرئاسي قد وجد نفسه في خضم مفاوضات لم يكن يرغب في المشاركة فيها بالضرورة، ولكنه مضطر الآن إلى التحرك ضمنها بشكل دقيق لتفادي المزيد من التعقيد.