في ظل التصعيد السياسي والاقتصادي المستمر في ليبيا، جاءت تصريحات المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، لتلقي بظلال ثقيلة على الوضع المالي المتأزم في البلاد. صالح حذر من تداعيات أزمة المصرف المركزي على سعر صرف الدينار، مشيرًا إلى أن الدولار في طريقه لتجاوز حاجز الـ 10 دنانير، إن لم يتم التوصل إلى حلول سريعة لإعادة توحيد المصرف المركزي وحل الخلافات المحيطة به.
عقيلة صالح لم يتوقف عند حدود التحذيرات الاقتصادية، بل اتخذ موقفًا صارمًا تجاه المجلس الرئاسي، مؤكدًا أن القرارات التي أصدرها الأخير في الشأن المالي غير شرعية، واصفًا إياها بأنها تعدي واضح على السلطة التشريعية المنتخبة، والممثلة لإرادة الشعب الليبي. صالح ذهب أبعد من ذلك حين وصف ما قام به الرئاسي بأنه “اغتصاب للسلطة”، محذرًا من أن تلك القرارات قد تضر بمصلحة الليبيين وتزيد من تعقيد الوضع السياسي والاقتصادي.
في إطار حديثه عن الأزمة، أشار صالح إلى أن البعثة الأممية في ليبيا أمام “اختبار حقيقي” فيما يتعلق بقضية المصرف المركزي، معتبرًا أن الجهود المبذولة من قبل مجلس النواب لتوحيد هذه المؤسسة المالية المهمة كانت مضنية ومكلفة، ولكنها لم تلقَ التعاون الكافي من قبل الأطراف الأخرى. وأكد على أهمية أن تلعب الأمم المتحدة دورًا فعالًا في هذه القضية، لضمان الحفاظ على هذه المؤسسة الحيوية التي تمس حياة كل ليبي.
ومن الملفت في تصريحات عقيلة صالح كان إصراره على دعم مشاريع التنمية والإعمار، مشيرًا إلى أن أي محاولة لتعطيل هذه المشاريع ستواجه بالرفض القاطع من مجلس النواب. ويبدو أن صندوق الإعمار والتنمية بات يُعتبر من الركائز الأساسية التي يستند إليها مجلس النواب في رؤيته لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي في البلاد. صالح أوضح أن مشاريع الإعمار لن تقتصر على منطقة بعينها، بل ستكون موزعة على كافة أرجاء الوطن.
وفي واحدة من أكثر النقاط التي أثارت اهتمام المراقبين، دعا عقيلة صالح إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ المصرف المركزي من السيطرة غير الشرعية التي تمارسها “جماعة” لم يسمها، والتي يرى أنها تهيمن على المصرف لخدمة مصالح الحكومة المنتهية الولاية. وأعرب صالح عن قلقه من أن استمرار هذه السيطرة قد يؤدي إلى تفاقم الفساد وهدر المال العام، مما سيؤدي بدوره إلى تقويض الثقة في المؤسسات المالية الليبية على المستوى الدولي.
في سياق آخر، أبدى عقيلة صالح مخاوفه من أن القرارات الخاطئة التي اتخذها المجلس الرئاسي قد تؤدي إلى تأخير استعادة الثقة في المصرف المركزي لدى المؤسسات المالية الدولية. صالح أكد أن هذه القرارات، التي وصفها بأنها “منعدمة”، لا تحمل أي أثر قانوني، ومع ذلك فإن تأثيرها على استقرار الاقتصاد الليبي قد يكون كارثيًا على المدى الطويل.
ما بين تحذيرات عقيلة صالح من انهيار الدينار الليبي، وانتقاداته الحادة للمجلس الرئاسي، تبرز أزمة المصرف المركزي كأحد أبرز الملفات التي تهدد مستقبل البلاد. إن عدم الوصول إلى توافق سياسي حقيقي لحل هذه الأزمة، واستمرار التجاذبات بين الأطراف المختلفة، قد يضع ليبيا على أعتاب مرحلة جديدة من التدهور الاقتصادي. وفي خضم هذا المشهد المعقد، يظل التساؤل الأكبر قائمًا: هل ستنجح الأطراف الليبية في تجاوز خلافاتها من أجل إنقاذ ما تبقى من اقتصاد البلاد، أم أن التوترات السياسية ستظل تطغى على مصالح الشعب؟
في النهاية، تظل الكرة في ملعب القوى السياسية، وعلى رأسها مجلس النواب، للوصول إلى حلول جذرية لأزمة المصرف المركزي، التي باتت تلامس حياة كل مواطن ليبي.