في حديثه الأخير، سلط المرشح الرئاسي سليمان البيوضي الضوء على إحدى أهم النقاط الشائكة في المشهد السياسي، ألا وهي التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاقات، مثل ما حدث في الاتفاق على حل أزمة مصرف ليبيا المركزي وكيف يخطئ البعض في اعتبارها نهاية المطاف. أكد البيوضي أن هذه الخطوة ليست سوى إعلان حسن نوايا بين الأطراف المتفاوضة، وليست بالضرورة اتفاقًا نهائيًا يمكن البناء عليه دون مراجعات إضافية. أضاف البيوضي في عدة منشورات له عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك“، رصدتها “أخبار ليبيا 24” أن هذه الخطوة تمثل في الواقع فرصة لإعادة التموضع والتفاوض، حيث يتمكن كل طرف من الكشف عن مخاوفه وهواجسه لتتم معالجتها وفق مصالح الجميع.
استحضر البيوضي هنا مثالًا حيًا من المفاوضات السابقة، وتحديدًا اتفاق الصخيرات الذي مر بمراحل متعددة قبل أن يرى النور في ديسمبر 2015. وأوضح أن المسودة الأولى للتوقيع بالأحرف الأولى كانت قد تم اعتمادها في يوليو من نفس العام بعد جهود حثيثة قادها مسار الجزائر، ولكن المسودة النهائية المعتمدة كانت مختلفة وتمت المصادقة عليها بعد خمسة أشهر. هذا التباين في المسودات يعكس بطبيعة الحال التعقيدات التي تحيط بالمفاوضات، مما يستدعي التمهل في الحكم على نتائجها وعدم رفع سقف التوقعات.
يستحضر البيوضي درسًا من مفاوضات الصخيرات، حينما ظهرت أسماء الشخصيات المرشحة لتولي مناصب في الحكومة الليبية في اللحظات الأخيرة قبل إعلان ليون بنود الاتفاق. تلك اللحظة الحاسمة كانت بمثابة مؤشر على تعقيدات المشهد الليبي وصعوبة اتخاذ قرارات نهائية. يؤكد البيوضي أن هذا التأخر في الإعلان يعكس الأجواء المتوترة في تلك الفترة، حيث كان كل طرف يسعى للحصول على مكاسب مادية وسياسية ضمن إطار اتفاق غير مكتمل.
يشدد البيوضي على أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه إذا ما استمر الاعتماد على نفس النماذج التفاوضية السابقة دون إدخال تغييرات جذرية. هذه المراحل التفاوضية المتكررة قد تبدو وكأنها خطوات إلى الأمام، لكنها غالبًا ما تكون مجرد عمليات إجرائية لا تقدم حلولًا شاملة للوضع الليبي المتعقد. وبهذا، فإن التوقيع بالأحرف الأولى في الاتفاقات لا ينبغي أن يُفسر على أنه إنجاز كبير بحد ذاته، بل هو مجرد خطوة أولى نحو مسار طويل من التفاوض.
في السياق الاقتصادي، تطرق البيوضي إلى واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا في ليبيا اليوم، ألا وهي أزمة المصرف المركزي. وأشار إلى أنه رغم كل المحاولات للوصول إلى اتفاق حول إدارة المصرف المركزي، فإن هذا الاتفاق لا يزال بعيد المنال، وأن الاشتراطات الدولية لم تُنفذ حتى اللحظة. وأوضح البيوضي أن هناك بعض الأطراف التي تعتقد أن بإمكانها كسب الوقت في هذه الأزمة، معتمدة على فكرة أن الأمور ستتغير لصالحها مع مرور الزمن، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك.
البيوضي يؤكد أن الحلول الحالية للأزمة الاقتصادية، لا سيما تلك المتعلقة بارتفاع سعر الصرف، ليست سوى حلول تلفيقية لن تصمد طويلًا. وأضاف أن الترويج للشائعات ومحاولة السيطرة على الوضع من خلال إجراءات مؤقتة لا يمكن أن تشكل حلولًا مستدامة للأزمة. فالوضع الاقتصادي في ليبيا يتدهور بشكل متسارع، ومعالجته أو إنقاذه يحتاج إلى إدارة جديدة تمتلك إرادة قوية وقدرًا كبيرًا من النزاهة والشفافية، وهي صفات يفتقر إليها النخبة الحاكمة في البلاد حاليًا.
أزمة أخرى تناولها البيوضي هي أزمة المعارضة، حيث انتقد فشلها في تقديم بديل سياسي ملائم ومقبول من قِبَل الشارع الليبي. وأكد أن المعارضة تصر على إعادة تدوير نفس الوجوه والسياسات التي ساهمت في إدخال البلاد في دوامة الفوضى والصراعات. هذا الفشل في التغيير، بحسب البيوضي، يعكس غياب رؤية حقيقية لدى المعارضة، التي أصبحت جزءًا من المشكلة بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل.
وأشار البيوضي إلى أن هذا العبث السياسي هو امتداد لثقافة الفوضى والصوت العالي، وأنه قريبًا سيدرك الليبيون أن مشروع إعادة التدوير السياسي قد تجاوزه الزمن. وأضاف أن الشعب الليبي أصبح أكثر وعيًا بواقعه وبمن يتحمل المسؤولية عن محنة البلاد، وأنه لن يغفر لمن تسبب في إغراق ليبيا في وحل الفوضى والفساد.
يشكل حديث البيوضي تذكيرًا بمدى تعقيد الأوضاع السياسية والاقتصادية في ليبيا، ويبرز الحاجة إلى حلول جذرية تعالج الأزمات المتراكمة بدلًا من الاعتماد على حلول مؤقتة أو وعود غير واقعية. إن طريق الحل لا يزال طويلًا، وما بين التوقيع بالأحرف الأولى ومفاوضات الصخيرات السابقة، تبرز الحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية قادرة على مواجهة التحديات.