في خضم الأزمات السياسية المتتالية التي تشهدها ليبيا، تتوجه الأنظار مجددًا نحو مجلس النواب، حيث يتزايد الجدل حول تعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي. عضو مجلس النواب المُقال زياد دغيم، الذي يشغل حاليًا منصب سفير ليبيا في هولندا ومستشار رئيس المجلس الرئاسي للشؤون التشريعية والانتخابات، بات من أبرز الأصوات التي تطالب بضرورة حضور البعثة الأممية كمراقب في جلسة البرلمان المخصصة لتعيين محافظ المصرف المركزي.
أكد دغيم في خطاب إلى القائم بأعمال المبعوث الأممي ستيفاي خوري الأخيرة أن حضور البعثة الأممية ضروري لضمان الشفافية في عملية تعيين محافظ مصرف ليبيا المركزي. أشار دغيم إلى أن وجود البعثة كمراقب أسوة بمشاركتها في اجتماعات مجلس الدولة الأخيرة سيضمن نزاهة تنفيذ الاتفاقات السياسية والاقتصادية بين الأطراف المختلفة في ليبيا. يرى دغيم أن الالتزام بالضوابط القانونية هو المفتاح لتجنب أي تحيزات أو تجاوزات قد تؤدي إلى فقدان الثقة في هذه المؤسسات السيادية المهمة.
بحسب دغيم، فإن جلسة البرلمان التي سيتم فيها تعيين المحافظ يجب أن تكون علنية وخاصة، وأن تتطلب النصاب القانوني المحدد بالأغلبية المطلقة. وأوضح أن البرلمان الليبي يتألف من 164 عضوًا، مما يعني أن جلسة انتخاب المحافظ تحتاج إلى حضور 84 نائبًا على الأقل. كما أكد أن الموافقة على تعيين المحافظ الجديد تتطلب أغلبية دستورية تُقدر بثلثي الأعضاء، أي ما لا يقل عن 108 نواب.
هذا التركيز على النصاب والأغلبية يُعدّ جزءًا من إصرار دغيم على ضمان تنفيذ الإجراءات بشكل قانوني ودستوري، خصوصًا في ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي تمر بها ليبيا. وبهذا الصدد، يعتبر دغيم أن الحفاظ على معايير الشفافية هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمات المتتالية.
أبرز دغيم في تصريحاته دعمه لترشيح ناجي عيسى لمنصب محافظ المصرف المركزي، معتبرًا أن هذا الترشيح يأتي كحل توافقي بين المجالس الثلاثة: مجلس النواب، المجلس الرئاسي، والمجلس الأعلى للدولة. وأشار إلى أن عيسى يحظى بدعم واسع من الأطراف السياسية المختلفة، مما يجعله الخيار الأنسب لضمان استقرار المنظومة المالية في البلاد.
إلى جانب ذلك، أبدى دغيم دعمه لترشيح مرعي البرعصي كنائب للمحافظ، مشيرًا إلى أن تعيينه جاء بقرار من المجلس الرئاسي الذي يملك الصلاحية القانونية لتعيين كبار الموظفين، حتى يتم إصدار تشريع توافقي حول هذه المسألة. يعتبر دغيم أن هذه الخطوة تأتي في إطار تحقيق التوازن بين الأطراف المتنازعة وضمان تحقيق الاستقرار المالي المطلوب.
من ناحية أخرى، لم يخفِ دغيم استياءه من بعض التعديلات المقترحة على شروط تولي قيادة المصرف المركزي. إذ انتقد بشدة تخفيض المعايير الخاصة بالمؤهلات العلمية والخبرات المطلوبة للمنصب. وأوضح أن المعايير الجديدة التي تقتصر على درجة جامعية فقط بدلًا من الماجستير، وتخفيض سنوات الخبرة المطلوبة إلى عشر سنوات فقط، تُعتبر تقليلًا من شأن المنصب ومكانته الهامة في إدارة الاقتصاد الليبي.
كما أبدى دغيم تحفظه على التعديلات التي تسمح بتعيين شخص سبق وأن صدر بحقه حكم قضائي ابتدائي أو استئنافي، متسائلًا: “هل خلت ليبيا من الكفاءات حتى تقبل بتعيين محكوم من قضاء ابتدائي أو استئنافي؟”. يعتبر دغيم أن هذه التعديلات قد تؤدي إلى تعيين شخصيات غير مؤهلة لتولي هذه المناصب السيادية الحساسة، مما يعرض الاقتصاد الليبي للمزيد من المخاطر.
يرى دغيم أن العملية الانتخابية في البرلمان لتعيين محافظ المصرف المركزي لن تكون ذات مصداقية إلا إذا تمت وفق ضوابط قانونية صارمة وبمراقبة دولية. ويعتقد أن ليبيا تمر بمرحلة دقيقة تتطلب اتخاذ إجراءات صارمة لضمان الشفافية والنزاهة في التعيينات الحكومية، وخاصة فيما يتعلق بالمؤسسات المالية الهامة. ولهذا السبب، يعتبر دغيم أن دور البعثة الأممية كمراقب هو خطوة أساسية في هذا الاتجاه، حيث يُمكن أن تضمن عدم تدخلات أو انحيازات قد تُفسد العملية الانتخابية.
التحديات التي تواجه البرلمان في مسألة تعيين المحافظ ليست بمعزل عن التوترات السياسية الأوسع في البلاد. ففي ظل الانقسامات الحادة بين الأطراف المختلفة، يسعى كل طرف إلى فرض نفوذه على المؤسسات السيادية، والمصرف المركزي على رأسها. يعتبر دغيم أن هذه التدخلات السياسية قد تُعطل العملية الديمقراطية وتُؤثر على استقرار الاقتصاد الليبي.
وبالرغم من دعواته لحضور البعثة الأممية، فإن دغيم يُدرك جيدًا أن الاستقطاب السياسي الحاد يجعل من الصعب التوصل إلى توافق شامل حول تعيين المحافظ الجديد. ولهذا السبب، يرى أن الحل الأمثل يكمن في اتخاذ خطوات توافقية، مثل ترشيح ناجي عيسى، الذي يحظى بدعم من الأطراف الرئيسية.
ليبيا تواجه العديد من التحديات الاقتصادية في ظل التدهور السياسي المستمر. المصرف المركزي، كأحد أهم المؤسسات السيادية في البلاد، يلعب دورًا محوريًا في تحقيق الاستقرار المالي. ومع ذلك، يرى دغيم أن التدخلات السياسية في عمل المصرف قد أدت إلى تآكل استقلاليته وعرقلة تنفيذ السياسات المالية اللازمة.
وفي ظل هذا الواقع، يعتبر دغيم أن تعيين محافظ جديد يتمتع بالكفاءة والخبرة هو خطوة ضرورية لإعادة بناء الثقة في المصرف المركزي وتحقيق التوازن المالي المطلوب. ومع ذلك، يشير إلى أن هذه الخطوة لن تكون فعالة إذا لم تتم في إطار من الشفافية والنزاهة.
في نهاية المطاف، تظل مسألة تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي جزءًا من الأزمة الشاملة التي تواجهها ليبيا. فبالرغم من دعوات دغيم لحضور البعثة الأممية كمراقب، فإن الوضع السياسي المعقد يجعل من الصعب التوصل إلى حلول سريعة. وبحسب دغيم، فإن الطريق نحو الاستقرار المالي يتطلب تجاوز الاستقطاب السياسي واعتماد سياسات مالية واضحة وشفافة.
كما يعتقد أن المصرف المركزي يجب أن يكون مؤسسة مستقلة تعمل بمعزل عن الضغوط السياسية، لتحقيق الأهداف الاقتصادية المطلوبة. وهذا يتطلب تعيين قيادات تمتلك الكفاءة والخبرة، وليس مجرد استرضاء للأطراف السياسية المتنازعة.
يختتم دغيم تصريحاته بالتأكيد على أن حضور البعثة الأممية كمراقب في جلسة تعيين محافظ المصرف المركزي هو أمر ضروري لضمان الشفافية والنزاهة. ويعتبر أن أي تجاوزات في هذه العملية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الاقتصاد الليبي، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى استقرار مالي وسياسي. وبالرغم من التحديات، يظل دغيم متفائلًا بإمكانية التوصل إلى حلول توافقية تضمن مستقبلًا أفضل للمؤسسات السيادية في ليبيا.