في جلسة حوارية تابعتها “أخبار ليبيا 24″، صرح عضو المجلس الرئاسي، موسى الكوني، بتصريحات جريئة تسلط الضوء على التحديات الجوهرية التي تواجه المجلس الرئاسي في الدولة الليبية. وصف الكوني المجلس الرئاسي بأنه “جسم غريب على الدولة الليبية”، وهو تصريح يعكس عمق الإحباط الذي يشعر به هو وبقية أعضاء المجلس نتيجة غموض الدور الذي يُفترض أن يلعبه المجلس في النظام السياسي.
يرى الكوني أن المجلس الرئاسي، منذ نشأته، لم يكن مفهومًا جيدًا من قبل الليبيين، حيث يشير إلى أن الدولة الليبية عبر تاريخها لم تعرف فكرة “الرئيس”. فقد كانت ليبيا مملكة يحكمها ملك، وحين جاء العقيد معمر القذافي، لم يسمِّ نفسه “رئيسًا” بل تميز نظامه بآلية أخرى تتمثل في مؤتمر الشعب العام، وهو برلمان شعبي كان يتولى اتخاذ القرارات، مما عزز لدى البرلمان الحديث في ليبيا الاعتقاد بأنه الجهة التي يجب أن تتولى هذه المهام التي أُنيطت بالمجلس الرئاسي فيما بعد.
ما بعد الثورة، لم يكن هناك منصب رئيس الدولة في ليبيا. الكوني يوضح أنه بدلاً من ذلك، كانت هناك مجالس انتقالية، منها المجلس الوطني الانتقالي، ثم المؤتمر الوطني العام، وهو برلمان، وحتى بعد اتفاق الصخيرات الذي أسس حكومة الوفاق، لم يكن هناك منصب رئيس واضح المعالم. جاء المجلس الرئاسي لأول مرة من خلال اتفاق جنيف، وهو اتفاق دولي، وضع المجلس في مركز السلطة، ولكن دون أن يوضح دوره بجلاء لليبيين.
لم يكن في ذهن أحد أن المجلس الرئاسي هو “رئيس الدولة” أو أنه يتفوق على بقية السلطات. هذا الالتباس في الدور الذي يفترض أن يلعبه المجلس الرئاسي أضعف سلطته بشكل جوهري. الكوني يؤكد أن الليبيين “لم يكونوا يعلمون ما هو هذا الجسم”، مما ساهم في ضعف دور المجلس على الساحة السياسية الليبية.
يُشير الكوني إلى أن المجلس الرئاسي ضعيف بطبيعته، وأن المؤسسات الليبية ساهمت بشكل كبير في إضعافه أكثر. ويرى أن هذا الضعف نابع من القيود الشديدة المفروضة على اختصاصاته. ويُشَبّه الكوني اختصاصات المجلس الرئاسي بالأنظمة الرئاسية المقيدة مثل الرئاسة الألمانية والإيطالية، حيث تقتصر سلطة الرئاسة على تمثيل البلاد دبلوماسيًا دون أن تكون لها صلاحيات تنفيذية حقيقية. يعترف الكوني بأنهم في الخارج يُعاملون كرؤساء، ولكن في ليبيا نفسها لا تُمنح لهم نفس المكانة أو الاحترام، مما يعزز الشعور بالعزلة والضعف.
الأزمة الليبية، كما يصفها الكوني، تتجاوز المؤسسات السياسية لتشمل الانقسام على مستوى الدولة بأكملها. ليبيا اليوم مقسمة إلى دولتين بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حتى المصرف المركزي الليبي، المؤسسة التي يُفترض أن تكون رمزًا للوحدة المالية، منقسم بين شرق وغرب رغم الاتفاقيات التي أُبرمت لتوحيده. هذا الانقسام يجعل من الصعب على المجلس الرئاسي ممارسة اختصاصاته كقائد أعلى، كما يوضح الكوني، مما يخلق أزمة مؤسساتية تعرقل جهود المجلس لإدارة البلاد.
أحد أكبر التحديات التي يواجهها المجلس الرئاسي هو العجز عن تنفيذ قرارات حاسمة في ظل الانقسام الداخلي. الكوني يُشير إلى أن المجلس الرئاسي “لا يملك القوة” اللازمة لتطبيق قرارات مثل إعلان حالة الطوارئ التي كانت تعتبر ضرورية لإنقاذ البلاد. يتساءل الكوني “هل لو أعلنا الطوارئ سيمكن تنفيذ القرار في الجهة الأخرى؟” وهو تساؤل يعكس واقع الانقسام العسكري في ليبيا حيث أن الجيش الليبي غير موحد، ولا توجد سلطة عليا تستطيع فرض قرارات الطوارئ في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة.
يُقر الكوني بأن المجلس الرئاسي حاول تحسين الوضع من خلال التدخل في المؤسسة العسكرية، بهدف جعلها أكثر تماسكًا. إلا أن هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح المطلوب. لا يزال الجيش الليبي منقسمًا بين مناطق الشرق والغرب، ولا توجد قوة موحدة قادرة على إنقاذ مؤسسات الدولة المترنحة. الكوني يعترف بأن هناك تقصيرًا في تقديم الخدمات العامة أيضًا، وهو ما يزيد من تعقيد الأوضاع ويجعل من الصعب على المجلس الرئاسي تأدية دوره بشكل فعال.
تصريحات الكوني تضع المجلس الرئاسي في قلب العاصفة السياسية الليبية. فهو يقر بأن المجلس ضعيف وأنه يفتقر إلى الدعم الداخلي من المؤسسات الليبية التي تُضعف دوره وتحد من قدرته على اتخاذ القرارات الحاسمة. الانقسامات السياسية والعسكرية المستمرة تجعل من الصعب على المجلس الرئاسي ممارسة دوره كقائد أعلى للبلاد، ويظل المجلس عالقًا في واقع سياسي معقد يهدد مستقبل ليبيا.