في خطوة متوقعة لتجاوز الأزمة المالية والمصرفية التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد، أعلن مجلس النواب اعتماد اتفاق تعيين قيادة جديدة لمصرف ليبيا المركزي . وقد تم اختيار ناجي عيسى محافظًا للمصرف، ومرعي البرعصي نائبًا له، مما يُعد بداية جديدة لمحاولة توحيد الجهود الاقتصادية وتجاوز العقبات التي عانت منها البلاد على مدار سنوات. قرار تعيين القيادة الجديدة لم يكن وليد اللحظة، بل جاء بعد مشاورات مكثفة مع مجلس الدولة والعديد من الجهات المعنية.
رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، لعب دورًا رئيسيًا في هذا الاتفاق، معتبرًا أن الحلول التوافقية بين المؤسسات الليبية هي السبيل الوحيد لتحقيق استقرار اقتصادي وسياسي في البلاد.
في تطور مفاجئ، أعلن محافظ المصرف المركزي المكلف من المجلس الرئاسي، عبدالفتاح غفار، قرارًا بتعليق تنفيذ ضريبة النقد الأجنبي التي فرضها مجلس النواب في وقت سابق. وعلل غفار هذا القرار بأنه جاء تنفيذًا للأحكام القضائية التي أبطلت قرار فرض الضريبة. هذا الإعلان أثار ردود فعل متباينة في الأوساط الاقتصادية والسياسية، حيث اعتبر العديد من النواب أن هذا القرار غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع.
النائب عبدالسلام نصية كان من بين المنتقدين الأشداء لهذا القرار، معتبرًا أن إعادة النظر في الضريبة يجب أن تتم بناءً على دراسة علمية وحلول اقتصادية وليس عبر قرارات مفاجئة وغير مدروسة. نصية أضاف بأن أي قرار يتم اتخاذه بشكل عاطفي وغير مستند إلى الحقائق الاقتصادية سيكون له تداعيات سلبية.
الناشط السياسي حسام القماطي علق على قرار غفار بقوله إن هذا القرار ليس إلا محاولة لخلط الأوراق وإحداث إرباك في المشهد الاقتصادي منذ اللحظة الأولى لتعيين ناجي عيسى. القماطي اعتبر أن الأطراف الحكومية التي لم تُعجبها التغييرات الأخيرة حاولت من خلال هذا القرار الوهمي تعطيل جهود عيسى والبرعصي لتوحيد الجهود المصرفية والاقتصادية في البلاد.
“لا قيمة لقرار غفار، فهو مجرد حبر على ورق” أضاف القماطي، مشيرًا إلى أن تأثيره الفعلي على الاقتصاد سيكون محدودًا بسبب غياب الأساس القانوني لتنفيذه.
من جانب آخر، حذر مصدر مصرفي من خطورة التداعيات التي قد تترتب على بيان غفار، معتبرًا أن هذا القرار يعزز الفوضى في المشهد الاقتصادي ويهدد استقرار سوق العملات. وأوضح المصدر أن محاولة الإدارة السابقة للمصرف المركزي، المكلفة من الرئاسي، لرفع ضريبة النقد الأجنبي تتعارض مع توجيهات مجلس النواب ومع الجهود المبذولة لتوحيد المؤسسات المالية في ليبيا.
كما أكد المصدر أن مثل هذه القرارات تساهم في زيادة الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازي للعملة الأجنبية، مما يؤدي إلى استنزاف العملة الصعبة وتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد. وقد أشار إلى أن أي قرار يمس السياسة المالية يجب أن يكون جزءًا من خطة شاملة لتحقيق الاستقرار وليس مجرد خطوة ارتجالية.
يأتي هذا الخلاف بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي حول إدارة المصرف المركزي في وقت حساس بالنسبة للاقتصاد الليبي. يعاني المواطنون من ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، مما يزيد من الأعباء المعيشية اليومية. ورغم أن تعيين قيادة جديدة للمصرف المركزي يُعتبر خطوة إيجابية نحو الإصلاح، فإن هذه الخطوة تتطلب دعمًا من جميع الأطراف السياسية لضمان نجاحها.
المحللون يرون أن النزاعات السياسية القائمة بين الأطراف المختلفة هي العائق الأكبر أمام تنفيذ أي إصلاحات اقتصادية جادة. ويرون أن الخلافات حول السياسات النقدية وتطبيق القوانين، مثل قرار غفار بوقف ضريبة النقد الأجنبي، تعكس حالة الانقسام السياسي الذي يؤثر سلبًا على الأوضاع الاقتصادية.
على الرغم من هذه التحديات، يبقى توحيد المصرف المركزي خطوة أساسية لحل العديد من المشاكل الاقتصادية في ليبيا. يتطلب هذا التوحيد توافقًا بين الأطراف المتنازعة، وتحديد إطار قانوني واضح لتنظيم العلاقة بين المؤسسات المالية والحكومية. مع تعيين ناجي عيسى ومرعي البرعصي، يتطلع العديد من الليبيين إلى أن يتمكنوا من استعادة الاستقرار المالي ووضع حد للتحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني.
ورغم أن بيان غفار قد يزيد من تعقيد الأوضاع في الوقت الحالي، فإن الدعم المحلي والدولي لتعيين القيادة الجديدة قد يكون كافيًا لتمكينها من التغلب على العقبات والعمل على تحقيق الاستقرار المالي.