السني: المسار السياسي الليبي يحتاج لدعم دولي وملكية ليبية
في خضم التحديات المتعددة التي تواجه ليبيا، من الأزمات الإقليمية إلى الانقسامات الداخلية المتفاقمة، طالب مندوب ليبيا الدائم لدى مجلس الأمن، طاهر السني في تصريحاته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي، بدعم دولي متزايد للحفاظ على المسار السياسي، مع التأكيد على أن الحل النهائي يجب أن يكون ملكية ليبية حقيقية.
تجاهل لجنة العقوبات لطلبات ليبيا
في مقدمة تصريحاته، أثار مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة قضية حساسة تتعلق بلجنة العقوبات الدولية المكلفة بمراقبة الأموال الليبية المجمدة في الخارج. فقد أشار إلى وجود مراسلات تصل للجنة تتعلق بطلبات استثنائية من المؤسسة الليبية للاستثمار، لكنها لا تُرسل رسميًا إلى السلطات الليبية المعنية، مما يضع الحكومة الليبية في موقف ضعيف. وقال السني: “نطلب من لجنة العقوبات أن تُبلغنا رسميًا بأي طلبات تتعلق بالأموال المجمدة لنتمكن من الرد عليها بشكل رسمي.”
هذا التجاهل الرسمي، بحسب السني، يشكل تهديدًا للاستقلالية المالية الليبية ويعزز من شعور الليبيين بأنهم مستبعدون من القرارات الدولية التي تمس شؤونهم الحيوية. وفي هذا السياق، دعا السني مجلس الأمن إلى “التأكيد على احترام الاتفاق السياسي الليبي” الذي يعد، وفقًا له، المرجعية الأساسية لأي حل سياسي في البلاد.
الأزمات الإقليمية وتأثيرها على ليبيا
أشار السني إلى أن الأزمات الإقليمية والدولية قد أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على الوضع في ليبيا، مؤكدًا أن هذه الأزمات انعكست سلبًا على التوافق الدولي وعلى أولويات مجلس الأمن بشأن ليبيا. هذا التصريح يأتي في وقت حساس، حيث تعاني البلاد من تأثيرات الأزمة الأوكرانية، وتزايد التوترات بين القوى الدولية الكبرى.
وأوضح السني أن ليبيا أصبحت ساحة للعديد من الصراعات الدولية التي تزيد من تعقيد المشهد السياسي الداخلي. ويبدو أن هذه الأزمات الإقليمية قد أثرت على دور الأمم المتحدة في دعم الحوار الوطني في ليبيا، حيث لم يشهد السني أي تقدم حقيقي في المسار السياسي حتى الآن. ورغم هذه الصعوبات، يرى السني أن الحل السياسي ممكن، لكنه يتطلب إرادة دولية حقيقية لدعم الحوار الوطني.
الأولوية لتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية
وفي سياق آخر، دعا السني إلى تسريع الجهود لتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية في ليبيا تحت سلطة مدنية موحدة. وقال إن “البناء على حالة الاستقرار الأمني النسبي الحالي” ضروري لاستقرار ليبيا على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن توحيد هذه المؤسسات سيساعد في إنهاء التواجد الأجنبي على الأراضي الليبية
السني أوضح أن توحيد المؤسسة العسكرية يجب أن يكون جزءًا من حل شامل للأزمة الليبية، ولا يمكن أن يتم بشكل منفصل عن الترتيبات المالية والاقتصادية. ودعا إلى “الاستفادة من الزخم الحالي” في ملف المصرف المركزي لمعالجة باقي القضايا السياسية والاقتصادية، مشددًا على أن أي تأخير في هذه الملفات قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة.
انتخابات تحت إشراف دولي
من أهم المحاور التي تطرق إليها السني كانت مسألة الانتخابات. حيث أوضح أن ليبيا تستعد لإجراء الانتخابات البلدية في الشهر المقبل، مما يعد مؤشرًا على قدرة البلاد على تنظيم انتخابات. لكنه أكد أن المشكلة الحقيقية ليست لوجستية أو فنية بل سياسية. وطالب بضرورة دعم مسارات الحوار الوطني للتوصل إلى توافق على القوانين الانتخابية. وقال السني: “يجب أن تكون الانتخابات العامة تحت إشراف دولي وأممي لضمان نزاهتها.”
وشدد على أن “غلق الباب أمام الدول والأشخاص الذين يسعون لتعميق الانقسام” هو خطوة حاسمة نحو التوصل إلى حل سياسي في ليبيا. هذه التصريحات تعكس قلق السني من محاولات بعض القوى الخارجية للتلاعب بالعملية الانتخابية في ليبيا لصالح مصالحها الخاصة.
دور الاتحاد الإفريقي في المصالحة الوطنية
وفي إطار سعيه لتعزيز المصالحة الوطنية، دعا السني إلى دعم دور الاتحاد الإفريقي في هذا الملف، مشيرًا إلى أهمية زيارته المرتقبة لإعداد مؤتمر المصالحة الوطنية. وأكد أن المصالحة الوطنية يجب أن تكون “القاعدة لحلحلة كافة المسارات الأخرى السياسية والاقتصادية والأمنية” في ليبيا. هذه الدعوة تأتي في وقت تحاول فيه ليبيا استعادة توازنها الداخلي بعد سنوات من الانقسامات والحروب.
السني يرى أن المصالحة الوطنية يمكن أن تكون بداية لمرحلة جديدة في ليبيا، حيث يمكن بناء ميثاق وطني يعزز الثقة بين الليبيين. وفي هذا السياق، دعا المجتمع الدولي إلى دعم هذا المسار بكل الوسائل الممكنة، مؤكدًا أن المصالحة الوطنية هي “الحل الأمثل لحلحلة الأزمات الليبية المتعددة.”
التحديات أمام ليبيا
ختامًا، يُدرك السني حجم التحديات التي تواجه ليبيا، لكنه يرى أن هناك فرصة حقيقية لتحقيق الاستقرار إذا تم التعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية بحكمة وتوازن. ورغم التأثيرات السلبية للأزمات الإقليمية والدولية، يظل الحل في ليبيا ملكية ليبية، ويجب على جميع الأطراف الداخلية والخارجية احترام ذلك.
وفي هذا الإطار، يبقى موقف السني واضحًا: الحل يجب أن ينبع من تطلعات الشعب الليبي، ويجب على المجتمع الدولي أن يدعم هذا الخيار دون تدخلات سلبية تزيد من تعميق الانقسامات. فالأزمة في ليبيا ليست مجرد صراع داخلي، بل هي جزء من مشهد دولي معقد يحتاج إلى تضافر الجهود من أجل التوصل إلى حل شامل ومستدام.