في إطار سعيها المستمر لتعزيز سيادة الدولة وتحسين أوضاعها الأمنية والاقتصادية، تتبنى السلطات في بنغازي جهودًا متواصلة لمعالجة أزمة الهجرة غير الشرعية التي تمثل تحديًا كبيرًا للبلاد. مؤخرًا، أعلن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في بنغازي عن ترحيل 165 مهاجراً نيجيرياً من البلاد عبر مطار بنينا الدولي بالتنسيق مع المنظمة الدولية للهجرة. هذه العملية تأتي ضمن حملة واسعة تهدف إلى ترحيل المهاجرين غير النظاميين وتطبيق القوانين المحلية بصرامة، وسط تحديات متزايدة تواجهها ليبيا في هذا الملف المعقد.
تواصل ليبيا تطبيق برنامج “العودة الطوعية” بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، بهدف إعادة المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم الأصلية بطريقة منظمة وآمنة. الترحيل الأخير شمل 165 مهاجراً نيجيرياً تم نقلهم من مركز قنفودة إلى مطار بنينا الدولي، في خطوة تعكس التعاون الوثيق بين السلطات المحلية والمنظمات الدولية في هذا السياق.
تعتبر هذه العمليات جزءًا من سياسة أوسع تنفذها الحكومة الليبية، حيث تم ترحيل آلاف المهاجرين من جنسيات مختلفة على مدار السنوات الماضية. وقد أكد جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية على استمرار هذه الجهود، مع التركيز على المهاجرين المخالفين لشروط الإقامة داخل ليبيا، مما يعزز سيطرة الدولة على ملف الهجرة ويحد من الانفلات الأمني.
بينما تتواصل عمليات الترحيل، تظل أزمة مراكز الاحتجاز في ليبيا تحت الأضواء الدولية. إذ تكتظ هذه المراكز بالمهاجرين من جنسيات أفريقية وآسيوية، وتواجه اتهامات متزايدة بانتهاكات حقوق الإنسان. التقارير المحلية والدولية تشير إلى ظروف احتجاز قاسية، حيث يعاني المهاجرون من الاعتداءات الجسدية والابتزاز المالي، وصولًا إلى الاعتداءات الجنسية.
المنظمات الإنسانية طالبت مرارًا بتحسين أوضاع المحتجزين، لكن الظروف على الأرض لا تزال غير مبشرة. ويبدو أن الكثير من هذه المراكز تديرها ميليشيات مسلحة تستغل المهاجرين في أعمال غير قانونية، مما يعمق من المأساة الإنسانية التي يعيشها هؤلاء الأفراد في ظل غياب رقابة فعالة من الحكومة المركزية.
في تحول مقلق، كشفت تقارير عن قيام عصابات الاتجار بالبشر بتحويل نشاطاتها من المناطق الصحراوية إلى المدن الليبية. فقد أشار الناشط الحقوقي الليبي، لملوم، إلى أن هذه العصابات تحتجز المهاجرين داخل منازل في بني وليد وغيرها من المدن الشمالية، وتقوم بتعذيبهم لإجبار عائلاتهم على دفع الفدية. هذا التغيير في أساليب العصابات جاء نتيجة تضييق الخناق عليهم في المناطق الصحراوية وهدم مخازنهم من قبل السلطات الأمنية في بعض المناطق.
منذ عام 2019، ازدادت حوادث اختطاف المهاجرين داخل المناطق السكنية، مما يعقد جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية ويزيد من التحديات التي تواجه السلطات الليبية. ويطالب الناشطون الحقوقيون بتكثيف جهود القبائل والأعيان في مكافحة هذه العصابات، باعتبار أن كل عائلة تعرف جيدًا أبناءها المتورطين في هذه الأنشطة غير القانونية.
في ظل هذه التحديات، تبرز مدينة بنغازي كقوة دافعة في مواجهة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر. فقد لعبت المدينة دورًا رئيسيًا في تنفيذ عمليات الترحيل بالتعاون مع المنظمات الدولية، في محاولة لإعادة الاستقرار إلى البلاد. وبجانب هذه الجهود، تسعى بنغازي لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع دول الجوار والدول المصدرة للمهاجرين، لضمان تعاون فعال في تنفيذ برامج العودة الطوعية والمساعدة في تأهيل المهاجرين.
التنسيق بين جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية والمنظمات الدولية يأتي في وقت حرج، حيث تواجه ليبيا ضغوطًا متزايدة من المجتمع الدولي لتحسين أوضاع المهاجرين، وتقديم حلول عملية لمكافحة العصابات المتورطة في تجارة البشر. ومن المتوقع أن تستمر هذه الجهود في المستقبل القريب، حيث تسعى ليبيا إلى تعزيز سيادتها وتقوية مؤسساتها الأمنية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
بينما تستمر ليبيا في مواجهة تحديات الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، تظل جهود بنغازي نموذجًا يحتذى به في مواجهة هذه الأزمات. إن العمل الدؤوب الذي تقوم به السلطات في بنغازي بالتعاون مع المنظمات الدولية يعكس رغبة حقيقية في استعادة النظام وتحقيق الاستقرار، ولكن يبقى التحدي الأكبر في القضاء على العصابات التي تستغل الأوضاع الهشة لتحقيق مكاسب شخصية.
على المدى الطويل، يتطلب حل أزمة الهجرة في ليبيا تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وتطبيق إصلاحات جذرية في نظام الهجرة والمراقبة الحدودية. ومع استمرار هذه الجهود، يمكن أن تلعب بنغازي دورًا محوريًا في رسم مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا لليبيا والمنطقة ككل.